المرأة و بناء الذات 2

بناء الذات
الفقه المغيب
يصدر الأستاذ حديثه عن هذا الموضوع الجوهري بآيات كريمة من سورة يونس، يقول سبحانه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 5 أولياء الله المذكورين في الآية هم الذاكرون السالكون طريق الله طريق الإحسان، الذي يحتاج لفقه وضوابط حتى لا تزيغ الطريق بطالبه عن سياج الشريعة، ويتكلم الأستاذ عن ما لحق هذا الفقه بكثير من الأسف، فكأنه صار غريبا في عصر المادة والتقدم، ويصفه بقوله: ” في هذه العصور النفطية، غيب فقه ترقيق القلوب، فقه المحبة في الله، فقه حب الله، فقه التقرب والسلوك إلى الله ، وكأنه بدعة طارئة في الدين لا أصل لها”. 6
السلوك الى الله كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، المصحوب الأعظم لازما من أساسيات الدين، جاء سيدنا جبريل ليبينه للمسلمين على عهد رسول الله في صورة رجل حتى يبقى راسخا في القلوب والأذهان، ويعلم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يأتي من بعدهم أن الدين مراتب إسلام و إيمان وإحسان يتدرج فيها السالك والسالكة الى الله، أخرج الإمام مسلم وأبو داود والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتومن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق. فلبثت مليا (أي قليلا) ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”.
ويورد الأستاذ عبد السلام ياسين تعليقا للإمام النووي ” قال رحمه الله معلقا على حديث جبريل، وعلى تعريفه للإحسان بأنه: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”: “هذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين. وهو عمدة الصدّيقين وبُغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين. وهو من جوامع الكَلِمِ التي أوتيها صلى الله عليه وسلم”. 7
إذن لابد للسالكة إلى الله من عبور هذه المدارج حتى تكون من أولياءه المقربين، وهذا السلوك منصوص عليه في الكتاب والسنة كما بينه الأستاذ وفصله وأجمله في كلمات دقيقة: “إن السلوك إلى الله عز وجل، والسير إليه، عمل منصوص في الكتاب والسنة، كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس به. كان معنى القصد إلى قرب الله عز وجل بالتعبد، ومعنى طلب الحظوة عنده والزلفى لديه بالأعمال الصالحة علما مستقرا عندهم. قال شيخ الاسلام ابن تيمية : “كان جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول، لا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة”. 8
[2] تنوير المومنات، ج 2، ص 31.
[3] تنوير المومنات، ج 2، ص 34.
[4] الإحسان، موسوعة سراج، ص 373.
[5] سورة يونس، الآيات 62-64.
[6] تنوير المومنات، ج 2، ص 31.
[7] تنوير المومنات، ج 2، ص 34.
[8] الإحسان، موسوعة سراج، ص 373.