مفاهيم ومقاربات حول النساء والتنمية 1

مفاهيم ومقاربات حول النساء والتنمية
أصبحت العديد من الأمم مدركة للفجوة النوعية الموجودة بين الرجال والنساء في العديد من مجالات العيش، وبدأت، بإرادتها أو من باب الوفاء بالتزاماتها، تعمل على سدها و ذلك بالارتقاء بأوضاع المرأة القانونية والسياسية، وكذا السوسيو اقتصادية من خلال “إصلاحات” أو مشاريع تنموية أو مبادرات تمييز ايجابي لفائدتها. كل مدخلات التغيير تبقى ذات أهمية لكنها ستكون أنجع إن استطاعت خلق وعي اجتماعي بأهمية مشاركتها الإيجابية في عملية التنمية الوطنية ورفع وعيها بأهمية دورها.
عموما فهذا المقال لا يهدف للتطرق للعلاقة بين المرأة والتنمية بقدر ما يسعى لرصد موضوعي ومبسط للمقاربات والمنهجيات والمفاهيم المختلفة التي تخفيها من خلفها صيرورة التغيير هذه، والتي تم تبنيها عالميا وتسويقها، وكثر استعمالها دون أن تفهم بما يكفي. و الأهم من ذلك رسوخ قناعة أنه قبل التطرق لقضية المرأة لا بد من التوقف مع المصطلحات لتفادي أي سوء تفاهم. فعدم إعارتها اهتماما كافيا قد يكون من أكبر معيقات التواصل الجاد والحوار البناء). 2
أ- العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء والنوع الاجتماعي (أو الجندر):
يختلف مفهوم النوع عن المفهوم العام للجنس؛ فالجنس (sexe) يعنى الأحوال البيولوجية والتي تقود إلى تحديد نوع أو جنس كل من المرأة والرجل، بينما يعنى النوع الاجتماعي (genre) الهوية والكيان الإنساني الذي يتم تشكيله اجتماعيا، وكذا الخصائص الاجتماعية و الأدوار و المهام التي أسندت لكل منهما فميزت الوضع الاجتماعي لكل منهما وكذا العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء ..
وبينما يتصف الجنس بكونه عنصراً ثابتاً لا يتغير، فإن الدور والهوية الاجتماعية هي عناصر قابلة للتغير من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية التى تبدأ منذ اليوم الأول فى حياة المولود، وتستمر طوال فترة التنشئة الاجتماعية وتؤثر على الطرق التي يتخذها الأولاد والبنات فى تفكيرهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم، كما تنعكس على الأدوار والوظائف والأعمال التي يتم تشجيعهن على القيام بها عند النضج، كما أنها تتأثر أيضاً بواسطة الانطباع العام المكون لدى المجتمع، والصور التقليدية النمطية عن النساء، والصورة الإعلامية عن المرأة والرجل حيث تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى. ومن العوامل التي تؤثر على أوضاع وأدوار كل من الرجال والنساء فى المجتمع نجد العمر ومستوى التعليم والتقاليد المجتمعية والزمن والموقع الجغرافي وغيرها.
في مرحلة أولى كان مصطلح العلاقات الاجتماعية بين النوعين) الأكثر استعمالا للتعريف بالأدوار الاجتماعية والأوضاع والقيم التي تنسبها المجتمعات لكل من الجنسين. هذه العبارة تحيل على كيفية توزيع السلطات) بين الرجال والنساء وبين كل منهما والمجتمع وتهدف إلى التركيز على مفهوم التسلط الذكوري).
ولكل من متبني احد المفهومين مبرراته؛ فمن بينها أن الجندر) كمفهوم انكلوسكسوني جاء ليعوض المصطلح الفرنسي الأصل: العلاقات الاجتماعية بين النوعين) ركز على جدلية العلاقة بين البنيات الاجتماعية والأدوار المنوطة بالأفراد. في حين يرى مستعملو المفهوم الفرنسي أنه يمكن من إبراز الجوانب المادية والرمزية ل التسلط الذكوري) ولا يخرج العلاقات بين النوعين من طابعها النضالي التدافعي، ويظهر نوع العلاقة بين الطبقات الاجتماعية لنفس النوع.
ب- مقاربات التنمية واعتبار القيمة المضافة للمرأة فيها:
المقاربات التي تخص المرأة في علاقتها بالتنمية هي: مقاربة المرأة في التنمية) ومقاربة المرأة والتنمية) ثم الجندر و التنمية) .
منذ 1975 بدأ الاهتمام بمعالجة مشكلة تهميش دور النساء ومشاركتهن في التنمية. جاء هذا ضمن التوصيات والاستراتيجيات المنبثقة من مؤتمرات المرأة العالمية، ولقد تطور فهم هذه المشاركة منذ ذلك الوقت، وتطورت معه المقاربات.
مدخل المرأة في التنمية) (Women in Development WID ) الذي ينطلق من الافتراض القائم على أن المرأة غائبة تماماً عن تفكير المتخصصين في مجال التنمية، وأنها مبعدة عن عمليات التنمية وأن هذا الإبعاد يؤثر سلباً على التنمية نفسها.
ولكن سرعان ما ظهرت المشاكل المرتبطة بهذه المقاربة التي تطالب بزيادة مشاركة النساء. فالنساء ولا سيما الفقيرات منهن، كنّ بالأصل يعملن بجد وكانت عمالة النساء جزءاً من السوق، رغم عدم الاعتراف بذلك وعدم تقاضيهن أجرا مقابل عملـهن. فزيادة “مشاركتهن” في المشاريع والسوق، كانت تؤدي مبدئياً وفي بعض الأحيان الى زيادة عبء عملهن. إضافة إلى أن مقاربة المرأة في التنمية) ركزت على النساء دون النظر الى سياق محيطهن. ومن هنا فإن محاولة تغيير وضع مجموعة من النساء دون النظر الى تأثير هذا التغيير على الرجال في حياتهن يجعل من الاستراتيجية غير فاعلة. إضافة إلى ذلك، يخفي التركيز على النساء إشكالاً آخر من الأبعاد والاختلافات ضمن فئة المرأة)، كما تنشط النساء أيضاً في علاقات قائمة على الهيمنة والحرمان ولسن بالضرورة مستعدات لمشاطرة السلطة او النفوذ أكثر من الرجال.
أما المدخل الآخر فهو المرأة والتنمية ( Women and Development WAD) فقد أتى نتيجة للتعديلات التي طرأت على الأدوار أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ويقوم هذا المبدأ على فكرة أولية تتمثل في أن المرأة مدمجة سابقاً في عملية التنمية لكن إدماجها ليس متساوياً. إنّ هذا المنهج (WAD) يقوم أساساً على أن عمليات التنمية تسير بصورة أفضل وتزداد فعالية إذا قدرت مجهودات المرأة داخل البيت وخارجه، ويعتمد أيضا على جعل خطط التنمية أكثر عدالة.
في التسعينات ، قدمت مقاربة الجندر والتنمية) ( GAD )كطريقة جديدة تسدّ الثغرات الموجودة في المقاربات الأولى؛ حيث تهدف هذه المقاربة الجديدة إلى دراسة العلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين النساء والرجال، بالإضافة الى أطر بناء الذكورية والأنوثة وسياقها. فأشارت إلى ضرورة التحول من تنمية النساء الى تنمية النوع الاجتماعي، باعتبار أنّ عدم إدماج النساء بكافة الأنشطة الحياتية هو نتيجة لسياسة المجتمع السلطوية والتي لا تؤثر سلباً على النساء فقط بل وعلى الرجال أيضاً.
وربطت مقاربة التمكين في قضايا الجندر بين المشاركة والتنمية بصورة تحولية، بمعنى أن التغيير يجب أن يتم من خلال قيام المجموعات النسائية بتعبئة نفسها، مما يؤدي إلى عملية تحول اجتماعي أوسع والى تحدٍ محتمل لبنى السلطة القائمة. كما تسمح هذه المقارنة بظهور تفسيرات متناقضة للواقع الاجتماعي ضمن المجتمعات، وهي الصادرة عن الرجال والنساء من الفئات /الطبقات الاجتماعية المختلفة. وكانت الفكرة وراء ذلك أن عملية التسهيل المتحسسة جندرياً تؤدي إلى تصحيح الممارسات الاجتماعية .
إلا أن مقاربة الجندر والتنمية) تتضمن تطبيق نماذج ومفاهيم خارجية لتشكل أساسا لتقويم الاختلال في العلاقات الاجتماعية في مجتمعات أخرى مختلفة عن النموذج. كما أن الأفكار الثابتة حول الجندر لا تتناسب والحقائق المعقدة والمختلفة والمتغيرة التي قد تظهر في العلاقات الاجتماعية بين رجال ونساء المجتمعات المتعددة.
أسئلة تطرح نفسها بقوة.
هل هذه المقاربة على أهميتها كفيلة وحدها بتصحيح أوضاع المرأة؟
أليست اجتهادا إنسانيا قد يتخلله الكثير من القصور؟
أليس وضع المرأة لا يمكن أن يعالج إلا في إطار تغيير أوضاع مجتمعها؟
يتبع……………
[2] مداخلة للأستاذة ندية ياسين في الندوة التي نظمها القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، حول موضوع “قضية المرأة في تصور جماعة العدل والإحسان” يوم 14 مارس 2004