لهم البشرى…

(والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد) 4
(لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) 5
صدق ربنا جل وعلا آياته نزلت غضة طرية على قلب حبيبه ومصطفاه عليه أفضل الصلاة والتسليم وتلقفتها قلوب مؤمنة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، مسطورة تليت بعدهم، وبثت فيها النفوس الزكية الروح على مر السنين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ولنا البشرى اليوم ببزوغ فجر جديد بعد ليل طويل، حقيقة باتت قاب قوسين أو أدنى.
تعاقب الليل والنهار
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: (“(يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس). قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: {“والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}) رواه الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه، وزاد عنه الإمام مسلم رضي الله عنه: (“فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي. ارجعي من حيث جئت. فتصبح طالعة من مطلعها…”) لا إله إلا الله تخر الشمس ساجدة في الغروب تحت عرش الرحمان ولا تطلع في الشروق إلا بإذن ربها.
أفلت شمس الحق والعدل والإحسان بانتهاء الخلافة الراشدة، وعاشت البشرية بعده الظلام الدامس وقد ذهبت عن سماءهم النجوم. تعليم نبوي أصيل لطلاب علم صلوا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقوا في انتظاره ليصلوا معه العشاء، فرح المعلم ببقاء أحبابه لما أخبروه، ورفع عينيه إلى السماء ليسبح بهم في بحر الحب والعلم والحكمة…، فيخبرهم الصادق المصدوق الأمين وهو يرى بنور ربه مستقبل الأمة بعده: (“النجوم أمنة للسماء. فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي. فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون”).
عليك أفضل الصلاة والتسليم يارسول الله، أماننا وأمننا أنت يا حبيب الله ومن سار على هديك الى يوم الدين. وحلت الفتنة الكبرى بعده وبعد أصحابه تعاقب فيها الملك العاض والملك الجبري. وانتقضت خلالهما عرى الإسلام عروة عروة أولها انتقاضا الحكم، وآخرها الصلاة . ظلام دامس خيم على بلاد المسلمين ردحا من الزمن.
فصاروا عبيدا في سوق نخاسة الغرب بعدما كانوا أسياد الدنيا يشهد لهم بذلك القاصي والداني.
بزوغ فجر جديد
وتشرق الدنيا بنور ربها من جديد، حين يأذن الرحمان لشمسها بالطلوع ليعم نورها العالمين.
ببركة دعاء المحبين وعزم المصلين على هدم بيت العنكبوت. حقيقة ساطعة لا يحجبها غربال أكاذيب البارحة، سقط دكتاتور تونس “زين العابدين” يحمل معه حقيبته من المظالم في حقبة ثلاث وعشرون سنة أو يزيد. وتساقط رئيس مصر” حسني مبارك” بحقيبة أثقل لحقبة تزيد عن الثلاثين سنة… أنظمة جبرية قهرية دكتاتورية من حسناتها أنها أحيت الفطرة الدفينة التي استقرت في قاع الوجدان واستكانت خوفا من الطغاة، لكن دوام الحال من المحال، والطغيان مهما ساد فلا بد له من زوال سنة الله في الكون ولن تجد لسنة الله تبديلا، فالفطرة وإن استكانت لردح من الزمن هاهي تنتفض وتقوم لتحيى من جديد ملبية نداء ربها: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) 6 .
أعجبتني قصة سمعتها للشيخ كشك رحمه الله عن سكان قرية مصرية في الصعيد – وقد كانت مصر ولا تزال هدفا لأطماع المستبدين والمستعمرين، وشعبها هدفا لحملات التنصير والتهويد على مر السنين-: قصد بعض النصارى أو اليهود سكان قرية مستضعفون لا يعلمون القراءة ولا الكتابة -غاب عنهم أنهم حفدة الأنبياء- فسعوا إلى استرضاءهم بكل ما أوتوا من قوة، ولما أحسوا بقرب تحقق هدفهم جمعوهم في حفل تكريمي، وقبيل انتهاء الحفل أحس المصريون بالامتنان، فأرادوا أن يعبروا عنه، وهم أهل الكرم والنبل والشهامة، فقال واحد من الجموع بتلقائية: وحدووووه، فهتف الجميع بصوت واحد: لا اله إلا الله . فانقلب السحر على الساحر.)
لنا البشرى في الأولى بخلافة على منهاج النبوة وقد بزغ فجرها، فجر عهد جديد القبلة فيه الله والملاذ الله والمعاد الله جلت قدرته، نعبده ونسترضيه ولا نسترضي غيره، اقتفاء لأثر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولنا البشرى في الآخرة برضى الرحمان عنا مع النبيئين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ذلك هو الفوز العظيم.