الاستثناء المزعوم

عاشت الأمة الإسلامية بصفة عامة والدول العربية على وجه الخصوص زمانا تحت وطأة الاستبداد، وتفنن المستبدون في وسائل إهانة الشعوب وتركيعها حتى ظن الحاكمون أنهم خالدون وأن خلع عباءة الذل عن الشعوب أصبحت من المستحيلات السبع.
من المولى سبحانه بالربيع العربي فتحركت بعض الشعوب وكسرت حاجز الخوف الموهوم وخلعت عن رقبتها طوق الاستبداد وكانت البداية من تونس الياسمين التي ظن صاحبها أن شعبه قد استسلم للأمر الواقع وخضع لرغبات الرئيس السلطان وما بقي له إلا أن يعلنها جمهورية في ملكه، لكن جاءته رياح التغيير فكان أول ضحاياها.
قطار التغيير لم يتوقف في تونس بل ركبته شعوب أخرى، منها من قطعت أشواطا ومنها من تحاول والكل يتجه نحو مجتمع تسوده المساواة ويعيش المواطن في كنفه مكرما مضمون الحقوق.
في وطننا الحبيب (المغرب) عاش الشعب من الفاقة والحرمان والتعسف ما لا يعلمه إلا الله حتى أن بعض التوقعات كانت ترشح المغرب كأول بلد سينتفض وهو ذو السوابق في هذا المجال، لكن بمجرد ما هرب بنعلي وتنحى مبارك واشتعلت الاحتجاجات في اليمن وليبيا حتى نادى المسؤولون المحليون والمطبلون لهم من الداخل و الخارج على أن المغرب استثناء.
نعم إن المغرب استثناء فما كان يتصور أحد أن يذل المغاربة ويهانوا ويصبروا على شظف العيش وإهانة المسؤولين وهم الذين شاركوا في الحرب العالمية وفي الحرب الهند الصينية وشاركوا في مصر وسوريا وفلسطين حتى كان لهم باب يسمى بباب المغاربة وهو الآن قيد الهدم، كما أن التاريخ سجل للمغاربة نصرتهم للمظلومين وإيواءهم للمضطهدين.
ما الذي حدث للمغاربة، هل شربوا كأس الخوف في الماء أم تناولوه في لقاح التطعيم أم تراها المسلسلات والمهرجانات وألدربي والكلاسنكو زرعت فيهم حب اللامبالاة؟ إنه فعلا استثناء أن يتحول الأسد إلى نعامة تخفي رأسها في كثبان الرمال كلما خطب الخطب.
الاستثناء المبشر به جد عجيب، المفسدون بالأمس سيقودون عملية الإصلاح والمؤسف أن هذا الوهم قد انطلى على أناس نزهاء اضطر المخزن أن يقدمهم كبش فداء ويمرر بهم العاصفة ويقدمهم للشعب على أنهم الخلاص، فإن كانت الانتخابات التاريخية في مصر وتونس قد أعطت تقدما ملفتا للإسلاميين فعندنا سمح لهم بالفوز وهم المحاصرون بالأمس وهم المضطرون إلى تقليص عدد الترشيحات بالأمس، اضطر المخزن أن يضحي بالحلفاء التقليديين كما يفعل من يقطع ذيله ليعيش.
يسوق لنا المبشرون بالإصلاح الماسكون بما أفسد السابقون أن عملية الإصلاح في المغرب ستكون من الداخل وأنهم اختاروا الخيار الثالث في التغيير، ترى أي إصلاح يرجى والمفسدون قد بوءوا مقاعد من القرب، أم أي إصلاح يرجى والذين ساهموا في الفساد قد اطمأنوا على أنهم في منأى من العاصفة. يقولون ربط المسؤولية بالمحاسبة فمن يحاسب الذين ذلوا هذا الشعب وأهانوه و تلاعبوا بكرامته حتى أصبح ذكر المغرب مقرونا بالفقروالعهر وجنس الأطفال.
لكن لنا في المولى الكبير المتعال اليقين التام أنه سبحانه يمهل ولا يهمل وفي رسوله الكريم عليه السلام اليقين على أن عودة العدل حتمية وأن الأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء ستعيش رفق الإسلام ورحمة دين الله الذي لا يترك بيتا من حجر ولا وبر إلا دخله ما في ذلك شك ولا ارتياب.
وكما كانت أمة العرب نكرة بين الأمم لكنها في ظرف وجيز من الزمن وبإمكانيات جد محدودة استطاعت أن تقود الفرس والروم بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وسيلتها الإرادة الصادقة المتحفزة وغايتها تحرير الإنسان من كل طغيان، أحياها الذي يحيي الأرض بعد موتها ويخرج الحي من الميت.
كانت البداية غريبة ولعلها تكون غريبة اليوم فنعيش استثناء من طراز رفيع أن تنبعث إرادة التغيير من شعب ذكره بين الشعوب ضعيف وصورته باهتة فيرمي عن ظهره لباس الخوف والذل و يتسربل بلباس العز والكرامة ويخرج من قلبه مرض الوهن ويسكن فيه خلق العزم والتوكل فينطلق إلى ميادين البناء، بناء مستقبله وغد أمته، وما ذلك على الله ببعيد، وسيكون المغرب آنذاك استثناء حقيقيا منه تنطلق شرارة الوحدة المرجوة للأمة والريادة التي تتطلع إليها كي تنقذ البشرية من جحيم المادية المتألهة وعبادة الذات إلى سعادة الروح الأبدية ونسمات الإيمان بالغيب وطمأنينة الحياة بعد الممات.