طاعة اولي الأمر اختيار أم إجبار؟

إن تعجب فعجب قوم يعتقدون أن طاعة أولي الأمر من تمام الدين في ظل هذا الربيع العربي المبارك الذي تفتحت فيه العيون واستنارت الأبصار فأصبح الصغير والكبير يميز بين الحق والباطل بعد أن جلا عنا المولى الكريم غبار التعتيم والذل والتضليل.
والعجب كل العجب أن هؤلاء يستدلون بالآية الكريمة التي قال فيها الحق عز وجل«وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» النساء׃58 وهذه الآية في حد ذاتها تبطل ادعاءاتهم وتدحض تضليلهم فالله تعالى لم يذكر كلمة” أطيعوا” حين أمر بطاعة أولي الأمر وذلك لحكمة بالغة هو يعلمها سبحانه وذهب العلماء أن السر في ذلك هو لما قد يقع من اختلاف وانشقاق عن أولي الأمر والتي مردها إلى الله والرسول كما جاء في تتمة الآية«فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» والتحاكم إلى الله لا يكون إلا عبر الشورى التي نص عليها المولى في أيما آية بل ثمة آية في القرآن تسمى الشورى لجلال قدرها ومكانتها في التشريع الإسلامي فقال سبحانه فيها«وأمرهم شورى بينهم»الشورى׃38 وقال في موضع آخر«وشاورهم في الأمر»آل عمران إلا أن الشورى غيبت من ساحة الحكام الذين تسلطوا قهرا واستفردوا بالقرار إذ لا معنى للشورى إن لم تكن مصدرا للقرار وأسمى قرار خوله الله عز وجل إلى الشورى هو اختيار الشخص المناسب لولاية الأمر ومن ثم فلا طاعة دون اختيار.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الله تعالى يخاطب المؤمنين ويأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وطاعة من ولوه أمرهم حاكما كان أو عالما من المؤمنين، وهل من المؤمنين من يسجن ويقتل أناسا إلا أن طالبوا بحقوقهم المشروعة التي منحهم إياها ربهم ومنعهم منها ولاة الأمور؟ فولي الأمر المؤمن هو من كان يقول «ويل لعمر من بغلة عثرت في العراق» فما أحوجنا إلى أمثال عمر رضي الله عنه ولما أزهقت مئات الأرواح كل يوم في الطرقات وليست أرواح البغال بل أرواح بني الإنسان الذي كرمه المولى الكريم.
والحاكم المؤمن هو من كان يقول لعماله انثروا القمح في الحقول –بعد أن ملئت المخازن-حتى لا تبقى طيور المسلمين جائعة. فأنا لنا بمثله وغلاء المعيشة قض مضاجع الناس ومنهم من بات طاويا لم يجد ما يسد به رمقه بل أن من الناس من يتاجر بأبنائه أو بجسمه ليحصل على لقمة عيش أمن هؤلاء نلتمس الطاعة؟ رحمك الله يا أبا ذر ورحم الله مقولتك المشهورة«عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه» ورحمك الله يا عمر عدلت فأمنت فنمت.
ومن تم فما عاد يجدي نفعا أن نقف عند ويل للمصلين بل لابد من أخذ الأمر في كليته فلا طاعة بدون شورى واختيار من يحقق العدل للبلاد والعباد فيحبه الناس ويجلوه ومن ثم يطيعوه طوعا لا كرها وصدق ربنا إذ قال «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين» آل عمران׃159أما من يدعون أن الطاعة واجبة ولو كان الحاكم فاسدا ولا يحقق عدلا للبلاد بل لابد من الخضوع له كي لا نموت ميتة الجاهلية وكي نحافظ على بيضة وشوكة الإسلام فلهؤلاء يجب القول أن سادتنا العلماء ذهبوا هذا المذهب حين كان للإسلام شوكة وعزا وكانت الفتوحات الإسلامية على أشدها فخافوا على الأمة الإسلامية من الفتنة والضياع وتسلط الأعداء عليها، أما وحالنا يدمي القلب والمسلمون موزعون في دويلات صغيرة ومشرذمين كفتات القصعة التي شبههم بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تكالبت عليهم الأمم من كل جانب فإنه لم يعد ما يخاف عنه أو يخشى حصوله ولن يحصل أكثر مما حصل إذ لا أمن ولا أمان لا داخل الوطن ولا خارجه النهب والسرقة والقتل والرشوة… والظلم يحيط بنا من كل مكان وكيد الأمم القوية وطمعها في خيراتنا التي تستمتع بها ونحرمها نحن هو حالنا فاللهم ارفع عنا الظلم والطغيان وأمنا في أوطاننا وحقق لنا عيشة كريمة آمين آمين والحمد لله رب العالمين.