جاروا علينا يا رسول الله؟

لطالما منيت النفس أن لغة المحبة والرحمة كفيلة أن تحارب الكره والضغائن في النفوس. لكن كلمات التفاؤل ضاعت مني وسط زحام الأحداث فلم أجدها. ناديتها بأعلى صوتي، لم غبت عني وأنا أحوج ما أكون إليك الآن؟ لم تنطق، ولم تظهر. لم يجبني سوى الألم الذي اعتصر قلبي حتى كاد يخرج من بين ضلوعي، ضاق تنفسي وما عدت أحتمل، فلم أعي ما يحصل إلا وسيل من الدموع يغرق وجهي. أغمضت عيني كي أوقف الدمع فلم أقو على ذلك. وللحظة أخذني تفكيري بعيدا، فتذكرت كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثر لحال أمته، وكيف كان يسعد لسعادتها. فكرت كم سيبكيه حالها اليوم وهو يرى بأسها بينها، وهو يشهد كيف ينكل الحكام(أولي الأمر) برعيتهم التي استرعاهم الله سبحانه وتعالى عليها أشد التنكيل، لا يميزون بين صغيرهم وكبيرهم ، بين نسائهم ورجالهم. تذكرت رسول صلى الله عليه وسلم وهو يخشى على أمته فيبكي مستمطرا رحمة ربه الكريم الوهاب ويقول: > تذكرت كل هذا فاشتد ألمي ومعه بكائي، فصرخت بأعلى صوتي أشجب هذا المنكر>.
هل منكم من يحب رسول الله؟
يقول عز وجل في كتابه العزيز: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله…) – فيا حكام العرب يا من تدعون – وخدامكم الأوفياء – حب وإتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبفعلكم هذا تكرموه في أمته أم تحزنوه وتؤلموه؟
هل من إتباعه والانتساب إليه أن تكونوا أعتى على أمته من أعدائها؟.
– هل من يحب محمد صلى الله عليه وسلم يحفظ وصاياه أم يضيع الأمانة؟ أينصف المظلوم أم يطغى عليه ويتجبر؟ أيحسن إلى النساء، أم يعتدي عليهن بالشتم والضرب؟ هل يعز شباب الأمة ويقدرهم، أم ينكل بهم ويذل رجالهم وشرفاءهم؟ أيرحم الضعيف أم يهينه ويستعبده؟
– هل من المحبة والإتباع التستر على المفسدين، ورعاية الاستبداد، وأكل أموال الناس بالباطل؟
– هل من المحبة والإتباع تضييع ومصادرة حقوق المستضعفين؟ ( حقهم في التعليم، السكن العمل، في الزواج وبناء أسرة…)
نشكو بثنا وحزننا إلى الله.
ربي إن من سميتهم ولاة أمورنا، ومن أردتهم رعاة لحقوقنا وقائمين لخدمتنا قد جاروا علينا.
جاروا علينا وسلبونا حقوقنا، ومزقونا كل ممزق وليس لدينا سواك ناصرا للمستضعفين أمرتنا بالحكمة والموعظة الحسنة والنصح لهم فأبوا إلا شج الرؤوس وتهشيمها. ملأنا قلوبنا محبة ورحمة لخلقك، فأدموا قلوبنا برصاصهم وعصيهم وبهتانهم. فإليك ربي نشكو بثنا وحزننا، ونتقوى بك على كل جبار عنيد لا يؤمن بيوم الحساب، نأمل ونرجو رحمتك ورضاك، ونتبع ما جاء في كتابك: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله لم يمسسهم سوء…)