الدستور ممنوح: لا أريكم إلا ما أرى

أن يتجاهل ولي الأمر شعبا بأكمله فيقول لهم «لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد» فلا يشركهم في مناقشة أسمى قانون في البلاد والذي هو الدستور فهذا ما لا يمكن استساغته مطلقا خاصة وأن بلدنا الحبيب لا تنقصه كفاءات ولا ذوي الحكمة والحنكة السياسية.
والأدهى من ذلك والأمر أن يطلقوا على ذلك الدستور «دستور الشعب» عن أي شعب يتحدثون الشعب المفقر المجهل المنبوذ، الشعب الذي أشغلته لقمة العيش عن كل صغيرة وكبيرة حتى أصبح من السهل شراء ذمته وحريته وكرامته بثمن بخس.
أي شعب هذا الذي شارك في تعديل الدستور! الشعب الذي قاطع الانتخابات أم القلة القليلة التي شاركت وما صوتت على حزب ما عن جدارة واقتناع ببرنامجه، إنما صوتت لصالح أشخاص تربطها بهم علاقات عائلية أو مصلحية أو مادية أو عبر بيع الأصوات.
أم هي الأحزاب هي التي شاركت في هذا التعديل، للأسف فالكل يعلم أن مشاركتها في التعديل الدستوري كانت شبه منعدمة لأن الأحزاب والمنظمات تقدمت بأزيد من مائة مذكرة ولم تتلق أي جواب عن مذكراتها هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنها لم تحظ بمناقشة المسودة حيث عرض مستشار الملك على أمناء الأحزاب النقط العريضة للمسودة شفاهيا ليبدو ملاحظاتهم في نفس الجلسة وكيف سيتسنى لهم ذلك والقوانين تتطلب مدارسة عميقة ودقيقة، ولو أراد منهم مناقشة فعلية لحصلوا على النسخ من قبل وكأنه يعاملهم بالحكمة المغربية القائلة«استشره ولا تعمل برأيه» كما أنه لم يطلع أحد بعد عن الصياغة النهائية للدستور مع العلم أن اللغة العربية بحر شاسع ومصطلحاتها تحتمل عدة أوجه ومن ثم فالصياغة النهائية ليست بالأمر السهل وكان من المفروض أن تبدي الأحزاب رأيها فيها.
هذا والحال كما هو عليه فإنهم يشنون حملة مسعورة لإحقاق الباطل ولإبطال الحق، وإن ذوي الألباب ليعلمون يقينا أن التغيير الذي طرأ على الدستور ما هو إلا تعديل بسيط لم يرق إلى تطلعات النفوس التواقة للحرية والكرامة، فما دامت معظم السلط ستبقى في يد الملك׃ فهو رئيس المجلس الوزاري ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس المجلس الأعلى للأمن ورئيس المجلس العلمي الأعلى؛ فإن حلم الملكية البرلمانية احترق وأصبح رمادا تذروه الرياح، وما دامت الصياغة النهائية للدستور لم يشارك فيها الشعب ولو عبر ممثليه فإن النظرة الأحادية وسياسة” لا أريكم إلا ما أرى” لازالت مسيطرة على هذا البلد الذي يئن فيه من غرد خارج السرب وحمل فكرا مغايرا فالويل ثم الويل لمن أبدى رأيه المخالف وقال كلمة حق وها هو الصحافي المشهور رشيد نيني خير دليل على انعدام الرأي في هذا البلد الحبيب ناهيك عن التهديد والقمع والقذف الذي تعرض له كل من أراد الخير لهذا البلد الحبيب.
عشت لنا يا بلدنا الحبيب بلد ترفع فيك الهامات ويتحدى الأشراف العقبات حتى يحقق لنا مولانا ما وعدنا به من الحريات إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين آمين والحمد لله رب العالمين.