مشكلتي مع النوم أثناء خطبة الجمعة!

سأشارككم في خاطرة قد تضحككم وقد تتعجبون لها لكن تجاوزتها عندما كبرت ونضجت. فمنذ أن كنت فتاة صغيرة السن أعتدت من أمي – رحمها الله- الاحتفال بيوم الجمعة، أخذت عن أمي هذه السنة الحميدة فكنت أحب وأحرص على الحضور في صلاة الجمعة، وكانت لي ومازالت طقوس خاصة بهذا اليوم لباسا وتزينا احتفاء بهذا اليوم. لكن كنت أعاني من مشكلة لازمتني مدة طويلة وكنت أُرجع السبب غالبا إلى نفسي، فبمجرد أن يبدأ خطيب الجمعة في خطبته وينغم الافتتاحية بالنغمة المغربية التي يستعملها أغلبية الأئمة، يغلبني النعاس القوي وأظل أصده ويغلبني ثم أصده ويغلبني وهكذا دواليك حتى أني أعاني بعدها بألم شديد في رأسي، شكوت أمري إلى أمي رحمها الله فنصحتني بأخذ كفايتي من النوم حتى لا أصاب بالإعياء فيغلبني النعاس أثناء خطبة الجمعة، عملت بنصيحتها وحرصت على النوم مبكرا ليلة الجمعة بل أصبحت أستفيق متأخرة في الصباح، لكن لم يفلح الأمر ونمت مرة أخرى… حدثت صويحباتي في مشكلتي فقالوا لي أن هناك جنيا مختصا في إفساد خير خطبة الجمعة على الناس وهو يترصد لك فحاربيه حتى تفلحي، البعض قال لي إنها نفسك الخبيثة التي لا تريد الإنصات للموعظة الحسنة، فتساءلت أيمكن أن يكون تناقض في الذات: روح تحب صلاة الجمعة ونفس تكره خطبة الجمعة؟ يا للعجب!
بقيت المشكلة ولم أجد لها حلا زمنا طويلا ووصل بي الأمر أني انقطعت مدة ليست هينة عن صلاة الجمعة التي كنت أحب طقوسها وتراتيلها القرآنية.
وكبرت سني قليلا وحاولت أن أسترجع قواي لمواجهة مشكلتي فقررت أن أستعيد حفاظي على صلاة الجمعة في مسجد الحي، أتدرون ماذا حصل؟ نمت أثناء الخطبة، يا لمصيبتي أأنا ضالة؟ هل نفسي الخبيثة لا تقهر؟
ومرت أيام قصيرة فسمعت عن إمام ذاع صيته لخطبه المتميزة، فحدثت نفسي لما لا أستكشف المسجد والخطيب وأجرب نفسي معه؟ فحضرت ويا للمفاجأة! لم أنم بل لشدة تأثري بتلك الخطبة بكى قلبي ودمعت عيناي، فقد تطرق الإمام إلى القضية الفلسطينية وما يعانيه أهل فلسطين من احتلال وقتل بسبب وهن وضعف وتمزق الأمة الإسلامية، لم ينغم الخطبة بالنغمة المعتادة التي يعرفها المغاربة بل نغمها بنغمة قوية صدعت من قلبه فاخترقت القلوب. فحرصت على صلاة الجمعة في هذا المسجد البعيد عن حيي. لقد كان إماما “فيسبوكيا”، في ذلك الوقت الذي كان الوسط المغربي بعيدا عن عالم الأنترنيت، خصوصا فئة الطبقة المتوسطة والفقيرة، زد على ذلك معضلة التعتيم الإعلامي عن حقيقة الواقع المغربي، فكان – ذكره الله بكل خير- يطلعنا على الأحداث والمشاكل الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب خاصة والعرب عامة ويحللها ويربطها بالسنة النبوية، – جزاه الله خيرا على اجتهاده وجهاده – فداومت على صلاة الجمعة وحلت مشكلتي وأصبحت صاحية متيقظة.
لكن أهذا الإمام “فيسبوكي زمانه” العالم بقضايا الأمة القريبة والبعيدة سيترك في منبره يخطب في الناس ويُرجع لصلاة الجمعة روحها التي ما سُميت جمعة إلا لأنها تجمع الناس أسبوعيا لتدارس أمور دنياهم طمعا ورغبا في أخراهم؟ لقد أنذر إمامنا بالتوقيف والوقف ، ولما لم يستجب لهم جردوه من منبره، بعدها علمت أنه هجر منبره في بلاد الظلم والاستبداد وهاجر إلى منبر في بلاد أوروبي يسوسه العدل والديموقراطية يخطب في الناس كيف يشاء.
إنه لتناقض عجيب غريب.
ونضجت وعلمت وتعلمت ففهمت. تجاوزت مشكلتي مع نضج سني وفهمي وأصبحت أحلل موضوع الخطبة وأتدارسها مع ذاتي وقد أنتقدها ومن حقي ذلك، بل من حقنا أيضا أن نتدارس الدرس مع الخطيب ولا لغو في ذلك بل إنها حقيقة خطبة الجمعة هي فعل وتفاعل بين الإمام والمأمومين بكل نظام وأدب، والتدارس ينمي العقل والقلب ليظهر في السلوك، وأكرر لا لغو في ذلك. قد نستفيض في مقال آخر في هذا المبحث.
ليس ببعيد استمعت إلى خطبة الجمعة واستهل الإمام كلامه بحادثة محاولة الاعتداء الجنسي لمدير النقد الدولي على مستخدمة في فندق، وركز الإمام على قضية الضمير الحي. موضوع مهم، فمن يسوس البلاد والعباد والاقتصاد يجب أن يكون أمينا خلقا وسلوكا وعملا وضميرا.
لكن ألا يوجد مثال بل أمثلة عن قلة الأمانة ومعضلة الضمير الحي في مغربنا؟
لماذا نفتش عن الملابس المتسخة في خزانة الآخر في حين خزانتنا ملآ بذلك؟
تجولت بنظري في أعين المصليات فوجدت النائمات والواضعات أيديهن على خدودهن كثيرات، فأغلبهن لا يعرفن من هو هذا مدير النقد الدولي صاحب الفعلة الشنيعة، والسبب هو سياسة تجهيل وتفقير الشعب.
كنت أرغب أن يركز الإمام على عدل القضاء في محاسبة كل ظالم مهما علا شأنه الدنيوي،
كنت أرغب أن يركز الإمام على نصرة المرأة اتجاه كل مغتصب لجسدها وحقوقها،
الحمد لله للذي نور لي الطريق لأحيا وأستيقظ من نومتي.
يا أئمة العدل والحرية الذين يصدعون بصوتهم وخطبهم في وجه الظلم والاستبداد لكم مني كامل التقدير والاحترام، ولكم مني خالص الدعاء.