معطلون عن العمل

عندما ينسج الليل لباسه الأسود حول الكون، يخاصم النوم جفنيه ويغادر الارتياح داخله، ويمر أمام عينيه سحاب مظلم يحمل صور أسرته، أمه أخواته إخوانه,,,الذين التهم الفقر ابتسامتهم، نال من تورد خدودهم، وأغرقهم في معاناة خانقة تطوق أعناقهم,,, وتترد على أسماعه كلمات تخترق الصور,,, صوت والد من رآها حصنه المنيع الفاصل بينه وارتكاب الخطيئة، بعدما طرق الباب طالبا يدها خطيبة: “لديك وظيفة محترمة؟ شقة؟ سيارة؟ ,,,؟” من أين له كل ذلك؟ وكيف يحقق الاستقرار والعيش الكريم و،،، له ومن حوله؟؟؟ أسئلة كثيرة تقرع خاطره فلا يجد لها جوابا.
في الصباح تنشر الشمس أشعتها على جبهته وهو يجوب شوارع وطرقات عطشى تسقى من عرق جبينه، هنا يوصد الباب بوجهه وهناك قد يبتسم الحظ له فاتحا ذراعيه، فينشرح صدره ويحط أحماله على فراش قاعة الانتظار الوثير، فترتع أحلام يقظة بجنبات ذهنه محتضنة أروع الصور، دخل مستقر، توفير احتياجات الأم و,,,مأكل، مشرب، مأوى آمن، دواء، تعليم ناجع للإخوة، تعويض الأسرة عن أيام الحرمان ولعب دور العائل،،،لحظة رائعة تهللت على إثرها أسارير وجهه واكتحلت حدقتاه لمعانا عجيبا، ويكسر الصمت واللحظات صوت رجل عبوس متجهم الوجه : “إذا احتجنا خدماتك سنتصل بك، اترك عنوانك ورقم هاتفك.” وعود محبطة طويلة الأمد، تكشف عنها ملفات كثيرة مرمية بسلة المهملات على يسار المتكلم,,, فيخرج جارا ذيول الخيبة و،،، ويطول الانتظار.
إنه واحد من أعداد غفيرة سكنت حفرا عميقة بحي البطالة، فمتى تتحول قبورهم قصورا تحفظ كرامتهم؟ متى تحل الكآبة عن سمائهم؟ فالفقر يفتك بهم ويشل حيويتهم، متى تتغير حياتهم؟ حقا إنهم يتحركون، يتنفسون، يأكلون، يشربون، لكن ألسنة حالهم تنطق بصوت تتموج في مقاطعه معاني اليأس و,,,:” لكنني ميت من الداخل، كرامتي تداس في اليوم ألف مرة وأنا أعيش عما تجود به أمي من معاش أبي،،، أو عما تجنيه أختي من مطحن أعصابها ومجهودها وهي غائبة عنا طيلة النهار,,, إنني أملك الشهادة الجامعية، لكم زرعت الأمل بصدري لكن،،،”
إنهم يعيشون على الأمل، لكنهم وبكل أسف لا زالوا ينتظرون،،، وما يزالون معطلين عن العمل.