مراكش الكليمة
كنت أتابع أطوار محاكمة إخوتنا الثمانية، عن جرائم لم يقترفوها وآثام لم يرتكبوها بعد تعذيب مهول تعرضوا له وحبس ظالم لشهور واختطاف مشين ذات فجر من ذات شهر من أعوام العهد الجديد نكاية وعدوانا ورغبة مبيتة في استنساخ غبن سنوات الرصاص، حينما بلغني خبر الجرم المقترف في مدينتنا الحمراء.
لست بصدد مناقشة السياحة المغربية ولا ظروفها ولا توجهاتها ولا مدى مطابقتها لقيمنا المجتمعية وضوابطنا الأخلاقية، ولكن أشير إلى تلك الرغبة الأكيدة في استهداف مدينة سياحية بامتياز وساحتها التاريخية، في مطعم من أشهر مطاعمها، وفي وقت يمكن أن يعد من أوقات الذروة في السياحة … والسياسة كذلك.
أسئلة تطرح نفسها بقوة سأؤجلها إلى حين استعراض بعض المشاهد المرعبة الدامية التي التقطتها وسائل الإعلام من بناية مهدمة وتجهيزات مكومة، والأخطر أرواح عديدة انتقلت إلى البارئ سبحانه بعد أن امتدت إليها أيدي الغدر المقيتة وأجساد نقلتها سيارات الإسعاف صوب المركز الاستشفائي لمراكش الحمراء بلون الدم هذه المرة.
من المسلم به أن النفس مكرمة مشرفة وأن الله عز وجل قد أمرنا بالبر الشامل بها بغض الطرف عن الجنس واللون والعرق والمعتقد، هي نسمات خلقها الله عز وجل وأرادها أن تكون ولا حق لأحد في الاعتداء عليها كائنا من كان وكيفما كانت أهدافه ومخططاته.
من المسلم به أيضا أن العنف ضعف وأن الرفق قوة بانية ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانهأحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقع علي الخبر وقع الصاعقة وأنا في المحكمة الاستئنافية بفاس، شأن كل من كان بجانبي، فتناسلت في ذهني أفكار وتساؤلات، تذكرت موقعة جمال بلطجية مصر وما اقترفته أيديهم الملوثة لصرف الشعب عن مطالبه الأساسية، وتذكرت تفجير كنيسة الإسكندرية، وتذكرت ثورة تونس الخضراء وصورة إخراج مجرمي السجون ليلطخوا أيدي النظام الفاسد البائر بدماء الشعب النقية، تذكرت وتذكرت وتساءلت:
من يا ترى يكون المسؤول في ديارنا عن فعل كهذا؟
من له مصلحة في هذه التفجيرات التي زامنت هذا المنعطف بالذات الذي تعيشه الأمة جمعاء وهذا الوطن الأغر على وجه الخصوص؟
من له مصلحة في إلهاء الشعوب وتشتيت أنظار الناس وإلهائهم عن قضاياهم الجوهرية وعن مطالبهم المحورية؟
من له مصالح استراتيجية في إقبار أو إسكات أو لا أقل زعزعة ثقة الشعب في مصداقية حركات التغيير المباركة داخل أوطاننا خاصة بعد أن حشدت مئات الآلاف في خرجتها الأخيرة من شهر أبريل الجاري؟
من له مصلحة في إسكات الأصوات الحرة التي رغم اختلاف توجهاتها وتنوع أطيافها وحدتها كلمة الحق المطالبة بالعدل والحرية والكرامة؟
لم تناسلت أحداث عنيفة قبيل الرابع والعشرين من فبراير وبعيده؟
تنوعت القراءات وكثرت التأويلات وكيلت اتهامات إلا أن الأصل في المتهم البراءة حتى تثبت إدانته، ولكن أخشى ما أخشاه أن تتخذ جهات هذا الحدث مطية للتضييق والقمع والترهيب، وتمام ما يرجوه هذا الشعب الأبي أن يفتح صدقا وعدلا تحقيق نزيه لمتابعة المجرمين الحقيقيين ممن يرهبون الآمنين ويضادون الحياة ويقطعون بسمة الشعوب. والله من ورائهم محيط.