نسج العنكبوت

أبى المولى عز وجل إلا أن يظهر لعباده في الدنيا قبل الآخرة كيف يكون مآل الظلم والظالمين، تلفظهم العباد والبلاد والشجر والدواب والحيتان في قعر البحر، وأن هيبتهم وصولتهم ما هي إلا وهم وقناع يسقط بمجرد أن تهب الشعوب وتقف، وصدق من قال׃إن أوهى النسج نسج العنكبوت***اتخذت مسكنها بين البيوت
وكذلك الظلم في ما بينـــــــــنا***يتلاشى إن نهضنا لنمـوت
ذبح فرعون في زمانه جميع الذكور الذين ولدوا في السنة التي رأى فيها رؤية هلاكه ولم يكن يعلم أن هلاكه سيكون على يد الفتى الذي نشأ في قصره وترعرع في أحضانه. كذا طواغيت زماننا بذلوا الغالي والنفيس لإلهاء الشعوب والاستخفاف بهم، وعمدوا إلى ترهيبهم وكم أفواههم وحاصروا معارضيهم وأودعوهم السجون ونكلوا بهم وعذبوهم… ولم يحسبوا حساب الفئة الشابة التي ألفوا منها اللهو والعبث فهم لم يربوها على الفضيلة والتضحية والبذل ولم يعلموها معاني الحرية والكرامة. بل كل ما لقنوها في المدارس وعبر المناهج المستوردة كما هائلا من المعلومات لا تسمن ولا تغني من جوع ينساها المتمدرس بمجرد أن يجتاز الامتحان وهمه الوحيد والأوحد الحصول على وظيفة تؤمن له لقمة عيش كريم.
هبة شبابنا بهرت الشرق والغرب وبرهنت على مستوى عال من البذل والعطاء، رحم الله البوعزيزي وأسكنه فسيح جناته حيث أيقظ في الأمة حس المطالبة بالحق. وتحية لكل شاب عربي أبى إلا أن يموت من أجل كرامته وحريته وتحية للثوار الصامدين في ليبيا وهم يواجهون أعتا وأرعن طاغية شهدته البشرية معتوه يريد أن يحكم أو يبيد شعبه، أرادهم أن يكونوا فئرانا أو جرذانا كما وصفهم ليكونوا من بني جلدته لأن الفأر هو الذي يفسد ولا يصلح، وأكبر مفسد هو هذا الطاغية الذي جعل من ليبيا قرية بدائية وكأنها في العصر الحجري مع أنها تحتل الصدارة في إنتاج النفط وتصديره بل هي الأولى إفريقيا إذ تملك أكبر مخزون من النفط. ولا زال الطاغية يعيث في ليبيا فسادا، يقصف المساكن والعمارات وحتى صوامع المساجد فقد استعمل البر والبحر والجو وقصف بالطائرات والدبابات… وكأنه يحارب أقوى الأعداء أو يجلي اليهود من فلسطين. فتحية لهذا الشباب الأعزل الذي يملك الإرادة والقوة ويتزود بالعزيمة والثبات وإن الله ناصره لا محالة إن شاء الله.
إن الشباب العربي يخط التاريخ بدمه وهو لم ينل حظه الأوفر من التربية والتعليم فكيف إن صلحت المناهج التربوية وتطهرت قنواتها ووجه الشباب توجيها سليما حيث العزة والكرامة والأخوة والتسامح… وكيف إن سمت البرامج التعليمية بشبابنا إلى مستوى الابتكار والإبداع بدل الاستهلاك الذي تعاني منه العقول اليوم… وكيف إن أصبح إعلامنا هادفا يسعى إلى بناء الشخصيات القوية الأوتاد التي تحمل بعزم وثبات…
لقد آن الأوان أن يعتز العرب والمسلمون بالثروة التي وهبهم الله إياها وأن يحسنوا استثمارها فالشباب ذخر الأمة وعزتها وعلى أيديهم يصلح المولى الكريم حال هذه الأمة التي عانت ولسنوات طويلة من القهر والاستعباد. بارك الله فيكم يا شبابنا وأنار الله الكون على أيديكم آمين آمين والحمد لله رب العالمين.