انتصر الشعب… أما بعد

من قال إن تونس الخضراء ستنتفض لتلفظ ظالما تربع جاثما على صدور أبنائها لما يزيد عن عقدين من الزمن.
من قال إن نيل مصر العظيم سيطلق لهبا يصلي به طاغوتا كتم أنفاس البلاد والعباد لما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، شباب متدفق وكأنه مياه مصر الجارفة… المعطاءة غمرت الميادين رغبة في التحرير.
قال الشعب أخيرا كلمته وتحققت رغبته. لمسنا جهادا مريرا في البلدين معا استمر لأيام لكن ماذا بعد جهاد التحرير؟
هل نبقى في إطار الدعوات الثورية الراغبة في إطاحة رؤوس الفساد وتطوير الظروف الاجتماعية.
أي نعم، إن آذان الجائعين لا تسلك فيها إلا نداءات تطالب بالخبز، لكن هل نبقى في إطار الهم المعاشي ونغفل عن حقيقة التغيير.
إن التغيير بمفهومه الشرعي ليس مجرد وقفات وثورات شعبية عارمة، ورغبة في استبدال بنيات المجتمع وطبقاته بأخرى، وإصلاح السياسة والقضاء على الفساد واستبدال الأجهزة. هذه وسائل محورية لتحقيق هدف غائي يقصد إعادة صياغة الإنسان بتربيته واستنطاق فطرته وتحويله إلى حقيقة العبودية لله تعالى.
إنسان مكرم لا تحجبه الوسائل عن التفكير في الغايات ولا تنسيه أهداف العيش غاية المصير.
إنسان لا يطغى وإن استغنى بل يعمُر الأرض وينعم بخيراتها ويسخر مقدراتها للسير بالإنسانية جمعاء نحو سعادتها الحقيقية.
إنسان يسعى إلى الخير نفعا لعيال الله خلقِه.
التغيير إن ظل حبيس البعد المعاشي غافلا عن الهم التربوي تحول لا محالة إلى استبداد ربما أنكى من سالفه.
ما بعد التحرير يحتاج إلى حوار مجتمعي، والحوار يحتاج إلى احترام آداب الاختلاف وجمع الأمة على أرضية واحدة لبناء مجتمع التحاب والتصافي والعمران الأخوي.
التغيير يحتاج إلى بناء، والبناء يحتاج إلى سواعد قوية وأمينة، يحتاج رجالا عظاما لمسؤوليات عظيمة. يحتاج قلوبا صادقة محبة للأمة والوطن وتفنى في خدمتهما. التغيير يحتاج إلى جهاد تنظيمي بالإضافة إلى جهاد التربية لجمع طاقات الأمة وتنظيمها خدمة لمصالح الأمة. يحتاج التغيير مدارس بانية وإعلاما راشدا متخلقا، يحتاج خبرة عالية، يحتاج حكمة في السياسة وسياسة واعية للحكم.
أما أنتم ياحكام العرب، أين أنتم من مقولة موفد كسرى: “عدلت فأمنت فنمت يا عمر”. إياكم أن تخلدوا إلى الكراسي وتنسوا إرادة شعوبكم فمهما تشبثتم بها فستجدون ألف ألف من يصرخ في وجه كل واحد منكم على غرار ما قاله الشعب المصري الذي قدم الشهداء في سبيل تحقيق الكرامة والحرية: “مش عاوزينك مش عاوزينك دم الشهداء بينا وبينك”.
إن حركات التغيير من أجل الكرامة والحرية والعدالة والأمن بطبيعتها معدية، وإنكم لأمام خيارين لا ثالث لهما أن تعدلوا أو أن تنفَضّوا، أن تعودوا إلى الإسلام أو يغرقكم الطوفان.