السفاك الذي يخشى البَلل

قتل مئات المدنيين والعديد من الضباط، والصمت الدولي قاتل ينتظر لصالح من ستميل الكفة حتى يلقي كلمات تنديد باهتة. مجازر ومشانق نصبت للشعب الأعزل الأغر، قصفٌ بالطائرات الحربية للمظاهرات السلمية واستعانة بمرتزقة أتى بهم ليذبحوا الشعب.
أي خزي هذا؟ أي إجرام؟ أي حكم يعض على الرقاب سنين عِجاف، ثم يريد أن يجبرها على الركوع والخنوع بعد أربعين سنة ونيف من الحكم الجبري.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يؤمن سفاحهم بشرعية سنته الزكية: “إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فانتظر الساعة”. ساعة المنكرين المتكبرين المعاندين.
يطلُع علينا ابنه السيف البتار على أمة الإسلام ليهدد ويتوعد وكأنه يُفهم الأمة أن بلا أبيه “الإله الرزاق”، أستغفر الله، الصنم الوثن، سيرفع الطعام والشراب والأمن من الأرض إلى الأبد. قالها فرعون مجملة “أنا ربكم الأعلى” ويقولها ابنه مفصلة مملة مطولة. داء العظمة كم يستشري فيصيب النفس بالسقم والجنون والهوان, يقتل أمة ويُبيدها من أجل “أنا ومن بعدي الطوفان”.
ما أخزى موقف السفاك الذي يخشى البَلل، السفاك الذي أراد أن يقاوم شعبه إلى أن يبيده، السفاك الذي كان لولا المطر سيخاطب في الساحة الخضراء الشباب!
عن أي شباب يتكلم؟ عن أولئك الذين أبادهم في الساحات الخضراء والجرداء وهم يطالبون بالانعتاق منه؟ أم أولئك الذين لا يزالون يواصلون تنديدهم به ويرفضونه ويلفظونه من حياتهم وقد أعياهم حكمه الشاذ عن كل الأعراف والموازين.
من المبكي ما يضحك، ومنه رسالة وصلتني تتحدث عن طبيعة دعاء الحكام العرب وكأني أراه صادقا، هذا بعضه:
“اللهم أدم جلوسنا على كراسينا! وبارك لنا فيها! واجعلها الوارث منا! واجعل ثأرنا على شعبنا! وانصرنا على من عارضنا! ولا تجعل مصيبتنا في حُكمنا!
اللهم إنا نسألك فترة ممتدة! وهجمة مُرتدة! والصبر على المعارضة! والنصر على الشعب!
اللهم عليك بشعبي، أما أعدائي فأنا سأتفاوض معهم!”
إن مع العسر يسرا يا حفدة المختار الصامدين، وإن النصر لآت، واشتدي يا أزمة تنفرجي، والله واعد المستضعفين بالتمكين في الأرض، موعود يقيني كأنه رأي العين، “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون”. ثم إياكم بعد التمكين أن تضيعوا نصركم وحريتكم، ورحم الله شهداءكم، وأعز مقامكم، وجعلكم حربا على كل جبار عنيد. إنه ولي ذلك والقادر عليه.