ما أكرمنا بك حيا وميتا

هذا المقال من وحي حفل الذكرى الثانية لوفاة سيدي العلوي بمراكش وما أبهجه من حفل، حفل ابتهجت أرض البهجة به، وابتهجت بمعانقة روحه الزكية، حفل أطلقنا فيه العنان لمشاعرنا وأرواحنا وتركناها تسمو عن معتادها محلقة في المعالي تهمس بكلمات الحب والشوق والوفاء وتأنس بقربه… حفل جمع أقواما جاؤا من بلاد شتى ليعبروا عن الحب والتقدير والفخر لما جمعه الرجل الحبيب من خصال فالرجل مدرسة الوفاء كما أجمعوا…هل تسمح لي سيدي اليوم أن أقف على أعتابك….لأرى نور وجهك في وجوه رفاق دربك الأخيار…هل تسمح لي يا خليل الشرفاء…هل تسمح لي أن أحاكيك عبر أثير الكلمات…لأخبرهم عنك… فما خبرتك إلا سامعا حديث الشاكي… وماسحا دمعة الباكي… وكاسيا الفقير الحافي… وبلسما لجرح المريض… وآويا للمهاجر البعيد… وكريما مع العدو والحبيب.
كنت في سالف الأيام أدخل الحمراء فأرى في سمائها ابتسامة وجهك الحاني… ودخلتها يوم وداعك الأخير وسماؤها قد تلبدت بالغيوم كأنها تبكي معي فراقك الأخير… وهي اليوم تعيش معي نفس الذكرى… حزينة هي كحزن قلبي الدفين.
كنت آتيك سيدي مثقلة فتخفف عني الأحزان… كانت أمواج عطفك تغمرني فأغدو وكأني ما عشت يوما دنيا الأيتام… وأنت اليوم سيدي في مثواك… سأعيش على ذكراك… وسأضل أناجيك وأحاكيك… فهل تسمعني…!!!
ها أنذا أجر خطاي نحو مجمع الكرام الذين أحببتهم فأحبوك وبادلوك وفاء بوفاء وجاؤوا في موكب نوراني يزين جنبات الحمراء… أجر خطاي فوق عشب أخضر وتحت رجلي ينبوع ماء يوشك أن يجف… وأنت سيدي… اطمئن… فنبعك صاف ما زال يجري وسواقيه توزع الماء لتروي جيلا بعد جيل.
وها أنذا أدخل بيت نجلك البار لأجد اسمك منقوشا فوق كل جدار… لأجدك أيها الشامخ في قلوب الحاضرين… ولأجد ذكراك في بحة صوت المتكلمين… ولأجد دمعتك في عيون الذاكرين. لأجدك في كل شيء حولي… فما أكرمك حيا وميتا.
أبدا أنت لم تمت… أنت حي فينا بعلمك… بعملك… ببسمتك الحانية… بدمعتك الجارية… بدعوتك الباقية… بكل شيء جميل رسمته على الجباه الساجدة.
ما زلت أذكرك متربعا تنظر إلى جمعنا نظرة الحاني… ودمعك غزير… ما زلت أذكرك بصوتك الدافئ الحزين تجأر بالدعاء تذكرنا أننا راحلون. ولقد سبقتنا بالرحيل… سبقتنا يا أيها البكـّاء… سبقتنا يا أبت فأظلمت الحمراء… سبقتنا في كل شيء… في الصبر في العطاء… في المحنة في البلاء… في الصحبة في الوفاء… في الحب في الصفاء… رجل أنت وأي رجل… بهذا شهد لك الشرفاء.
لا تفارق أبت لا تفارق…! يا بدرا في سمائنا لا تفارق…! يا نجما موقدا لا يعرف الأفول لا تفارق…! يا حبا زرعته في قلوب العاشقين لا تفارق…! يا زيتا يضيء سراج الذاكرين لا تفارق…! يا أملا يضيء ليل الحائرين لا تفارق…!
أنت أبت كل هذا… وأنت مزيد… أنت بحر الجود والعطاء الباسق… يا شجر العز السامق… يا من هو السابق وأنا اللاحق… سلام عليك وعلى من سبقوك من الركع السجود في موكب النور الراحل… سلام عليكم أهل دار طيبين… سأظل دوما لكم عاشقا… أذكركم كما أنتم جيل صادق… على دربكم أنا باق في سرب صاحب أنت تعرفه… ذاك الجبل الشاهق… وعهد مني لكم واثق… في سربكم سأظل محلقا ولن أفارق… أبدا لا لا… لن أفارق.)