فرحة الانتصار

مع زمهرير الرياح الباردة… ووقع حبات المطر المتساقطة… وحفيف وريقات الشجر المتناثرة… وصوت الرعود الغاضبة… وأنا أنظر وجه السماء الرمادي… تذكرت قصيدة الشاعر القائلة…سقف بيتي حديد***ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح***واهطلي بالمطر
واقصفي يا رعود ***لست أخشى الخطر
تغنيت بكلماتها وأنا صغيرة… لم أكن أدرك معناها كما أدركه اليوم… أحسست معانيها … ومعاناتها.
فكلماتها توحي إلي بثغر باسم لوجه حزين يقف فوق خشبة الحياة… وبجلال فوق منصة الإثبات يحكي أحاسيس الظلم الدفينة… لقلب لا يعرف سوى الحب… وجسد لا يعرف الإنحناء.
راودتني تلك الصورة مرات ومرات… حاولت أن أرسم لها خطوطا من لون متفائل لتكون أجمل لوحة حزينة…
حملت لوحتي معي في عقلي… في قلبي… في شراييني … في دمي… وإلى تلك الحبيبة رمز الحب والوفاء… إليها حملت لوحتي كي تزينها بتوقيع الختام…
وبثغرها الباسم حملت ريشتها الناعمة وأضافت على رسوماتي… لونا أزرقا يبشر بصفاء جميل تحت الغيوم… لسمائي الرمادية الحزينة… ووردة حمراء تحمل وٌدّا… وسنبلة ملئى تحمل حَبّا… ونبع ماء صافي يزهر أرضا… وحمامة بيضاء تكسر قيدا… ثم وَقّّّعت الختام… إلى الذي أستمد منه قوتي … وأبادله وفاء بوفاء…
ذاك المعتقل… القابع بسجن عين قادوس بفاس.
هذه قصتي مع الأم الغالية… والزوجة الصادقة… والمؤمنة القوية… قنديل الحياة.
وجاءني البشير… يهنئني بفرحة كبرى… ويسجد المنتصر لله شكرا.
ما أحلى أن يكلل هام الأحرار بوسام حرية الإصرار… ما أجمل أن يكون أصحاب الكهف أقوى وأكبر وأعز…
ما أجمل أن تصنع مجدك وتوقف التاريخ ليكتب عنك… وعن انتصار الحق في وضح النهار.
ما أروع أن تعلم جيل الرجولة أنك لا تنحني إلا في ركوع أو سجود… أو مقبلا يد التي أرضعتك لبنا خالصا… جعلك صلبا كالحديد.
ما أروع أن تخرج من قفص الإتهام… وتجلس مع الأقران… مرفوع الهام… قوي العزم … شديد الحزم… تتغنى…ومن لا يحب صعود الجبال***يعش أبد الدهر بين الحفرما أعظم أن تجلس عظيما وسط العظماء تعلمنا أنك حقا وريث الأثقياء الأنقياء الذين سبقوك في العطاء.
ما أجمل أن تسعد بالله… ومع الله… ف ” لا تحزن إن الله معنا “.
ما أروع أن تغرد معك الطيور لحن الخلود… ” إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى “.
وأجمل من هذا وذاك أن يلتف حولك الأحرار في بلدي ليسجلوا معك أول نقض لنسج العنكبوت… ويرفعون الصوت عاليا في زمن قانون السكوت… أن الحق لا يموت… وأن الباطل اليوم … ما هو سوى هيكل في ثابوت… ويطلقوا عنان الحرية لنسل الحمامة التي عرفت كيف تحمي غار الحبيب لتظللك ثانية أيها المهاجر في دنيا المحن… وتعلمك اليقين فلا تحزن.
ما أعظمكم يا أحرار هذا الوطن… ما أجلكم حين تعاليتم عن رواسب السنين البالية فدفنتموها في التراب… فتحاببتم… وتآلفتم… وتآزرتم إليكم نمد أيادينا… نرشكم وردا وياسمينا… نزفكم عرسانا للحق ظاهرينا… نحملكم على الأكتاف وسط الجموع الغفيرة التي جاءت حبا وشوقا… تنحني لكم إجلالا وصدقا… لتعلمونا فن البطولة والحب… وفن التشبت بالأرض الطيبة.
وصوتي العالي ينادي… أنتم شوق بلادي حين يدعو النفير… أنتم ظل بلادي حين يشتد الهجير… أنتم سند الضعيف حين يشتد العسير… أنتم أمل الغد… أنتم البشير… يا أحرار بلادي… إني أحلم بربيع إنساني دائم … وعيش وثير… ولباس حرير… ورزق وفير… وحب كبير…واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير