تبشبش الله

تبشش الله الرحمن الرحيم إلى عبده المستيقظ من غفلة.
تبشبش الله الحنان الحليم، إلى عبده التائب من زلة.
تبشش الله المنان الكريم إلى عبده الراجي عفوا ورحمة.
روى ابن خزيمة في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“ما من رجل كان يوطن المساجد فشغله أمر أو علة ثم عاد إلى ما كان إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم”.
جاء في لسان العرب البَشّ: اللطف في المسأَلة والإِقبالُ على الرجُل، وقيل: هو أَن يضحك له ويلقاه لقاء جميلاً، وهو من الله تعالى الرِضَا، والإِكْرامُ. وقال الزمخشري: التبّشْبٌش بالإنسان المسرة به والإقبال عليه.
وكذا يفعل المولى اللطيف: يتبشبش إلى عبده التائب العائد إليه كما يتبشبش الأهل إلى من غاب عنهم ورحل إذا عاد إليهم وقدم. وكيف لا وهو سبحانه الذي يٌقبِلٌ على من أقبلَ عليه، ويسعى إلى من سعى إليه يواجه بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا.
فإن الإنسان وإن ألفت نفسه الإقبال على الله بالعبادة والقربات قد يعتريها من الضعف والفتن ما يشغلها عن طاعة المولى وعبادته فتنتكس إلى مواطن الشهوات وتُسْتدرج إلى مهاوي الغفلة والخسران.
فإن استيقظ العبد بعد ذلك من سنة غفلته وحن إلى مواطن تعبده، ولجأ إلى ربه لجوء المضطر المفتقر، الخائف المستقوي بربه، العائد إليه من صدود وزلل. وجد ربا يتبشبش إليه مسرة به وانبساطا وفرحا، روى ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة مرفوعا“لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، من الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد “.
فله الحمد والمنة من رب حليم يلطف بعباده ويرحم ضعفهم ويقبل معذرتهم فلا ملجأ لهم منه إلا إليه، يقبل اليسير ويعفو عن الكثير. يبسط يده بالليل والنهار ليتوب المسيء ويستغفره فيغفر له وإن عاد وأذنب سبعين مرة في اليوم لايمل الله عز وجل من المغفرة حتى يمل العبد من التوبة ويصر على العصيان. وما ينبغي لمن علم من ربه هذا اللطف والغفران أن يتوانى لحظة عن التوبة والإنابة والاستغفار.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله -وهو المعصوم المغفور له- يتوب سبعين مرة في اليوم ويعلّم أصحابه ألا يستعظموا أي ذنب في جنب رحمة الله فإنه سبحانه سبقت مغفرته عقابه. قال سبحانه: قلْ يا عباديَ الذين أسرفواْ على أنفسهم لا تقنطواْ من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم 2 . وما علمنا سبحانه الاستغفار وأمرنا به إلا ليغفر لنا.
فاللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا ورجمتك أرجى عندنا من عملنا، اللهم اجعلنا من الذين إذا أحسنوا استبشرواْ، وإذا أساءواْ استغفرواْ. اللهم يـامـن وعــد فـوفـى..وأوعـد فـعـفـا أعـف عـن مـن ظـلـم وأسـاء..يـامـن تـسـره طاعتنا ولا تـضـره مـعـصـيـتـنا..هــب لــنا مـا يـسـرك.. واغـفـر لـنا مـا لا يـضــرك.