وثيقة السلم… لحرب النوم

تتعثر الخطى المتعبة في طريقها للمدرسة، فالأجساد الصغيرة لم تخلد للنوم إلا بعد سهر عائلي أمام التلفاز دام لمنتصف الليل، فكيف يمكن لهذه الأذهان المتعبة أن تستقبل ما تتلقاه من الدروس والمعلومات ؟.
أملنا في هذا المقال أن نقتنع جميعا أن أخذ القسط الكافي من النوم ضروري لنمو أطفالنا وتفتح عقولهم.
فيزيولوجيا النوم : ينقسم النوم إلى عدة مراحل :
_السنة : أو الإغفاءة الخفيفة، كما جاء في قول الله عز وجل في آية الكرسي (لا تأخذه سنة ولا نوم) هذه المرحلة الأولى يكون فيها الإنسان بين حالتي اليقظة والنوم.
_النوم الثقيل : وفيه يرتخي الجسد تدريجيا وتقل نبضات القلب وتبطئ الحركات التنفسية، كما يرتاح الدماغ وتنفصل الروح عن الجسد مصداقا لقوله تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الزمر الآية 42.
فيصبح النائم أشبه بالميت كما يصفه الله عز وجل (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون) سورة الأنعام الآية 60.
فالنوم الثقيل يوفر راحة للبدن وطاقة للذهن، كما لاحظ العلماء أن الدماغ لا يمكنه إنتاج هرمون النمو وهرمون البرولكتين (المحفز للجهاز المناعي) إلا إذا كان الطفل مستغرقا في هذه المرحلة من النوم.
_المنام : يحافظ الجسد على استرخائه الكامل، لكن التخطيط الكهربائي يلتقط موجات تفيد بوجود نشاط كبير لخلايا الدماغ، كما تتسارع دقات القلب وحركات التنفس، فمن آيات الله عز وجل في خلقه أن يعيش جسد النائم شبه الميت حياة أخرى في أحلامه.
حاجيات الطفل اليومية:
لكل فئة عمرية احتياجاتها اليومية من النوم تحقق بها توازنها النفسي ونموها الجسدي، لكن نلاحظ عموما أن هذه الحاجيات تقل مع التقدم في العمر.
– الرضع : ينام الرضيع ما بين 14 إلى 20 ساعة في اليوم.
– ما بين سنتين إلى أربع سنوات : يحتاج الطفل في هذه السن إلى ما يقارب 12 ساعة من النوم في اليوم.
– من 6 إلى 12 سنة : بانتهاء فترات القيلولة خلال النهار تتقلص ساعات النوم (ما بين 10 و 11 ساعة).
هذه الأرقام تقريبية ويبقى الدليل الوحيد على أن الطفل أخذ قسطه الكافي من النوم هو حالته الجيدة خلال النهار، وتكتسي أعراض قلة النوم مظاهر شتى لنذكر بعضا منها :
– العصبية الزائدة والتوتر.
– النشاط المفرط.
– ضعف التركيز وما ينتج عنه من صعوبات في التمدرس.
– تأخر النمو الجسدي.
ماذا عن القيلولة؟
لاحظت جميع الفرق الطبية المهتمة بالنوم أن كل الأجناس البشرية تنتابها حالة عياء “كوني” في بداية فترة ما بعد الظهيرة، فأصبح الجميع الآن ينادي بضرورة القيلولة سواء في المؤسسات التعليمية أو في مرافق العمل، والقيلولة قبل ذلك سنة نبوية كما ورد في الحديث الذي أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط حيث قال صلى الله عليه وسلم : (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل). هاته الاستراحة تختلف مدتها ونوعيتها حسب الأشخاص وحسب الشرائح العمرية، فالأطفال دون سن الرابعة يحتاجون لقسط من النوم قد يمتد من 5 إلى 130 دقيقة، أما ما بعد سن السادسة فيرفض أغلب الأطفال الخلود للنوم، ولا داعي لإجبارهم على ذلك لأن القيلولة لا تعني استغراقا في النوم، بل هي حالة استرخاء ينصح أخصائيو التربية (إذا رفض الطفل المكوث في سريره) باستغلالها في أنشطة تربوية مسلية (رسم، تلوين…)
أطفال يرفضون النوم:
يشتكي الآباء والأمهات من رفض أطفالهم الإيواء باكرا للنوم، فيسميها البعض “حرب النوم” والبعض الآخر “معاناة النوم” تستعمل فيها كل أسلحة الإقناع لكن الغلبة في معظم الأحوال تكون للطفل.
إذا استثنينا حالات المرض الطارئة فإن العائلة تكون السبب الرئيسي لحالة العصيان هاته فلكي ينام الطفل لابد من توفر أجواء خاصة.
ظروف لا تساعد على النوم:
– قيلولة في غير وقتها: لا يمكن للطفل أن ينام باكرا إذا لم يستيقظ من قيلولته حتى آخر النهار.
– الصخب والضوضاء: لمساعدة الطفل على النوم الباكر، يطفأ التلفاز والأضواء الساطعة وتخفت الأصوات، حتى يشعر الطفل بالسكينة التي حلت مع الليل، يقول الله عز وجل (فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، ذلك تقدير العزيز العليم) سورة الأنعام الآية 96.
– المنبهات والمأكولات السكرية: الشاي والقهوة والسكر تمنع الدماغ من الخلود للراحة، كما أن العشاء الثقيل أو المتأخر يؤثر على راحة الطفل.
– آباء وأمهات تحت “الضغط”: بعد يوم طويل من العمل الشاق داخل البيت أو خارجه، يبلغ التعب والإرهاق ذروته عند الوالدين فلا يجدان أمامها سوى خيارين : خيار الرضوخ لنزوات الطفل أو خيار العنف. فهل الجري وراء لقمة العيش يلغي مسؤولية التربية الحكيمة؟.
وأخيرا هل يمكن أن نجعل من أوقات النوم لحظات تواصل ممتعة مع أطفالنا؟
تتناوب الأم والأب على مرافقة الطفل إلى فراشه كل ليلة، ويصاحب ذلك طقوسا وعادات حميدة:
– النظافة وغسل الأسنان.
– قراءة تفاعلية للقصص تكون بمثابة توجيهات غير مباشرة للطفل.
– تلقين آداب النوم وحفظ قصار السور من القرآن.