دور المرأة في إزاحة الباطل وبناء الحق

“أمامنا نموذج الصحابيات رضي الله عنهن نستلهم منه الإيمان بالله والوَلاء في الله والجهاد المؤثِّر في العالم في سبيل الله. ما تنكَّبْنَ الطريق فتشعبت بهن السبل. سبيل الله في حياتهن اقتحام وتشابك مع العالم، ينهين عن المنكر ويأمرن بالمعروف. ما كان سبيل الله عندهن طُرَيقَةً هينة خارج التاريخ وعلى هامش المجتمع وفي كِنِّ العُش الخامل.
إرادة الله كانت الباعثَ، وخشيةُ الله كانت الرقيبَ، وحب الله ورسوله كان سعادةَ الحياة. إرادة جامعة بانية فاعلة. ونرِثُ والمومناتِ في زمننا وضعا أشبه ما يكون بوضع الجاهلية الأولى لولا أن في المسلمين والمسلمات لا تزال لا إله إلا الله العاصمةُ كلمةَ القلوب إن عطلتها عن العمل في الحكم والمعاملات معطلات الفتنة. نرث والمومناتِ تمزقا في جسم الأمة يوازي التمزق القلبي الأول. نرث غُثاءً في أقفاص وطَّننا فيها الاستعمار فتوطنَّاها، لا ندرك أنها السجن والهوان.
وجد الإسلام العربَ لا شيء، وجعل منهم شيئا. وابتعث الله المومنين والمومنات فحملوا إلى العالم رسالة الله. واليومَ ابتعد العرب والمسلمون عن دينهم فرجعوا إلى لا شيئيتهم. فهم في العالم نُتَفٌ، هم في العالم طُعمة، هم في العالم صفر، هم في العالم صحراء من حيثُ الصنائع والعلوم والقوة. هم في العالم كلّ ذلك -نساؤهم أدنى من ذلك- لأنهم إن عمل أفراد مصلون حاجون مسبحون لآخرتهم فلا جماعة للمسلمين تعمل، ولا جامعة لهم تتكون، لينالوا ثواب الدنيا، والعزة في الدنيا، والقوة في الدنيا، ويتأهلوا بذلك لحمل رسالة الله، فينال المجاهدات والمجاهدون الدرجات عند الله.
ثواب الآخرة الغاية، والسعادة الأبدية في الجنة. وذلك ترجوه المومنة إن تطهرت رغم دنَس الناس، وخشيت ربها رغم فساد الناس. وَتتدنّى درجتها عند الله أن فاتها الجهاد. هدف الجهاد إعزاز كلمة الله. إعزاز كلمة الله بالتدافع والتشابك والاقتحام.
وفي سنة الله أن التدافُع والتشابك مع الناس يَفْصِلُ فيه ما أعد الناس من قوة وما فشِلوا في إعداده. ثواب الدنيا جائزة من يد القدَر، يُتحف بها القدر العاملين لا الخاملين.
فإذا كنا في فصول هذا الكتاب نوازن بين التعبئتين والجهادين. تعبئة الفرد وجهاد النفس، وتعبئة الأمة وجهاد الأمة، فلأن الله عز وجل أعد للمحسنات والمحسنين أجرا عظيما، وأعد سبحانه للمحسنات وللمحسنين فوق ذلك درجات لا تنال إلا بالجهاد، جهاد تعِزُّ به الأمة فتقوَى في الأرض على تبليغ كلمة الله.
كان العدو في عهد النبوة والخلافة الراشدة الأولى يحمل على المسلمين أسلحة متكافئةً إلى حد بعيد مع ما في أيدي المسلمين من سلاح. كان الجهاد عَضلا تدفعه للاقتحام إرادة الله واليوم الآخر، إن كان العدو تدفعه حمية الجاهلية وعصبية القبيلة. وأنزل الله عز وجل نصره على عباده المومنين لإخلاص الإيمان، ومع النصر أمر مستديم بإعداد القوة. لا ينزل نصر الله على أمة ممزقة الأوصال، عزلاء، جرداء.
والعدو يومَنا وغدَنا إلى أن يأذن الله بنصر وأسباب نصر، يغزونا على كل الواجهات، بأسلحة غير ما عهده البشر في تاريخ البشر. أسلحة تدمر الجسـوم، وتخرب الديار، وتمتطي إلينا الجو، وترقُبُنا من الفضاء، وتتعـاقب علينا جواسيسها الكوكبية آناء الليل وأطراف النهار. ما معنا من ذلكُنَّ شيء إلا “خردات” من فولاذ يقتنيها العرب -الحكام على العرب- بأموال المسلمين يرصدها بعضُهم لبعض، ليحافظ بعضهم على استمرار سيادة العشيرة، وليغزُوَ بعضهم بعضاً لتسمُوَ عشيرة قومية على قبيلة. ما معنا من أسلحة المادة والصناعة شيء. فالتعبئة البعيدة المدى تبدأ منكن أمهاتِ الأجيال، صانعاتِ الغد. وَلَدٌ عملٌ صالحٌ، وتربية، ومدرسة تحضنها الأمهات.
ذلك الجسمُ في المتناول كسبُه بإذن الله كما كسبته الأمم قبلنا وتكسب أمام أعيننا الذاهلة. ثم لا نكون نحن خيرَ أمة إن استأنسنا العلوم والصنائع وطورنا أسلحة الفضاء وأضعنا الروح، وفقدنا الروح، وتقمصَتْنا من الجاهلية المعاصرة روح.
…إماءَ الله نكون وعبادَهُ، أو هي الحضارة العملاقة تستعبدنا، بل تزيدنا إهانة على إهانة. عرض القرآن الكريم آياتٍ، وعرضت السنة عَملاً ونموذجا، الإسلام في مقابلة واشتباك وعراك مع معتقدات المشركين. الإسلام روح من عند الله، إيمان بالله. لا يتساكن إيمان وكفر. فمن تحرير أنفسنا وعقولنا نبدأ. يتوقف نجاح المومنات في جهاد التحرير على قوة إيمانهن أولا، ثم على قوة تكتلهن ومساندتهن للجهاد الشامل تقتحم عقباتِه المومناتُ ويقتحمها المومنون ليفرضوا وجودهم في كل ميدان. تنظم المومنات أنفسهن، قيادتُهُنَّ منهن، مبادرتهن منهن. والشورى جامعة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبهن السياسي، والتغيير على المدى الأبعد وتعبئة الأمة وصناعة المستقبل واجبهن المصيري. تكتلهن واجب حول زعامات منهن تناهض زعامة المنتحرات. إزاحة الباطل من مواقعه قَدَما قدماً، ثم بناء الحق لبِنَةً لبِنَةً. صبرٌ وجلَدٌ وتحملٌ وطولُ نَفس. ورِفق مع ذلك لا عنْف. آن أن توقظ المومنات بنات جنسهن ليقُدْنَ جهادا مختلف الأشكال، متنوعَ الوجوه، شاملا لكل مرافق الحياة. جهاد تعليم، وتتويب، وتوعية، ومحوٍ للأمية العقلية والسياسية.
جهاد لمقاومة غطرسة الرجل الذي يتذرع بالإسلام وشريعته ليظلم المرأة. جهاد لكيلا يمارس الرجل قِوامته ممارسة لئيمَةً يُقايضُ بالنفقة عبودية المرأة له وعبادتها إياه. جهاد كسب القوت ما دام المجتمع فقيرا لا يستطيع كفالة الأمهات، وما دام المجتمع لا يعطي التربية المقام الأول ليأْجُرَ الأم المربية “منتجة” الإنسان أفضلَ ما يأْجُر العاملين.
جهاد سياسي واعٍ بأوضاع الزمن. تفطن المستضعفون إلى أن أهمّ مَا تفَوَّق به المستكبرون في الأرض استقرارُ الحكم على قاعدة الديمقراطية. فصيحة العصر ديمقراطية. وجواب الإسلام ترحيب ديمقراطية تخْنُق الاستبداد، ثم لن تأتي انتخابات حرة في بلد المسلمين إلا بمسلمين. وللإسلام منطقه المتسلسل إلى شورى وعدل وإحسان ومعروف يُطيح بالمنكر.
…تساهم المومنات في تنحية أنقاض ماضي الفتنة ونواقض حاضرها، لنبني على الأصول مجتمع العدل، وعمران الأخوة، وكيان القوة والكفاية. ولنتوحد بعد ذلك على فقه بالأهداف البعيدة والإمكانات الحالية.
نتوحد لنقوى على حمل رسالة الله للعالمين. يَحْمِل الحِمارُ أسفارا لا يفقه ما الكتاب. ويُحمِّلنا الله عز وجل رسالة نسيناها فنسيناه فأنسانا أنفسنا.
* * * * *
نعوذ بجلاله أن نجهل أو يجهل علينا. ونلوذ بحماه أن تَتَخَطَّفنا طيرُ الهَوَى أو تهوِيَ بنا ريح الجاهلية. آمنت بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.