حقوق الإنسان

خطاب حقوق الإنسان، والقانون المتوقع الذي يتوجه، ما هما إلا كذب وبهتان سياسي ذو خلفية أخلاقية مثلما تزور على المسرح لوحات عمارة ولا عمارة. فلسطين شاهد أول على ازدواج المعيار الذي به تكال حقوق الإنسان لليهود المستهترين بمآت القرارات من الأمم المتحدة الحق في هتك المسلمين. والظهر محمي، والمال منهال، والطفل الأمريكي مدلل. وتلهب أمريكا العالم غضبا وغيظا لما مست مصالحها في الكويت، وما يكاد يصدر، بل يستصدر، أول قرار لمجلس الأمن ضد العراق حتى تخف أساطيل الجو والبحر، وجحافل ثلاثين دولة، وضجيج البرق، ورعد الغضب للقضاء على صدام خائن حقوق الإنسان. لو قتل صدام عشرة ملايين مسلم شيعي، وأقام مائة محرقة مثل محرقة حلبجة التي صب فيها النار على خمسة آلاف مسلم كردي لما تحرك عرق في وجه حماة حقوق الإنسان المزعومين. يكذب دعاة حقوق الإنسان وفلسطين الشاهد الأول، ويكيلون بمعيارين ويهود الاحتلال شاهد على محرقة العراق.
وشاهد ثالث على الكذب والتطفيف هو ما نعيشه هذه الأيام بأسى وحسرة وألم من تقتيل إخواننا المسلمين بالبوسنة والهرسك. مأساة لا يطيق التعبير عنها الكلام.
وتتفضل الدول الحامية السامية بإرسال دفعات من “المساعدات الإنسانية”. مساعدات تقول بلسان حالها للصرب الشرسين: اتموا العملية ونحن معكم.
لو قتل أمريكي واحد في مجاهل العالم لقامت القوى الكبرى إلى جانب القوة الأكبر، ولتجند إنس الأرض وجن الغواصات والطيارات للدفاع عن حقه. لكن البوسنة والهرسك مجرد مسلمين، آخر ما ينبه الضمير العالمي الرسمي أن يقتل مسلمون، أو أن تسبى مسلمات، وأن يعذب أطفال مسلمون. لو قالوا “حقوق الإنسان الغربي السيد” لصدقوا.
هذه هي حقوق الإنسان كما تمارس فعلا، لا كما تلاك قولا منافقا.
بعد هذه الفذلكة المؤلمة نقول كلمتنا عن حقوق الإنسان. لأن التهمة الموجهة، من بين حراب الغزو، إلى الإسلاميين تقول عنهم الأقاول، وتنسبهم إلى الهمجية والقسوة.
ويجد المتهمون سندا لمرافعتهم في عدوانات حقيقية ارتكبها ملتحون، كما يدعمون مرافعتهم بحجج ملفقة مزورة.
يسمون إرهابا ما يرتكبه مضطهدون سدت في وجوههم الطرق، وأغلقت المنافذ، وشردوا، يدافعون عن حقوقهم بالعنف المضاد.
ويسمون إرهابا ما ترتكبه منظمات عنيفة أصلا، إرهابية قصدا.
كلمتنا أننا ننكر أشد الإنكار، ونشمئز أشد الاشمئزاز من تفخيخ الطائرات، وقتل الأبرياء، والعدوان على أهل الأمان.
ديننا أن أهل الأمان في ذمة المسلم أن يحميهم، فإن عدا علينا عاد، ونقض عهد الأمان الذي بيننا وبينه، أو خفنا منه غدرا، فالطريق الإسلامية أن ننبذ إليه على سواء. أي أن نخبره بكل وضوح أن ما بيننا وبينه قد ألغي، وأنها الحرب.
الأصل في تعايش أهل الأرض الأمان. والاستقرار العالمي مطلب لنا عزيز.
ذلك أننا لنا دعوة نريد أن نبلغها للعالمين. وهي دعوة رفق لا عنف، وصدق لا نفاق، وترغيب لا ترهيب، واختيار لا إكراه. وأفضل مناخ لتبليغ رسالتنا هو السلام في العالم والتواصل والتعارف والرحمة.
والصومال وسجون القمع ومعتقلات التعذيب، إن هي إلا حلكة آخر الليل، يتلوها إن شاء الله صبح النصر.
يقول السجل التاريخي إن المسلمين ما كانوا قساة ولا جفاة ولا جلادين للشعوب يوم برزوا بتلك القوة على مسرح العالم. مادخل الناس في دين الله تحت طائلة السيف، بل حبب إليهم الإسلام فضائل الإسلام، وحبب إليهم الإسلام رفق المسلمين بهم وعدلهم، واحترامهم لحقوق الإنسان.
دعاية واحدة، وفِرْية تسافر في الزمان جيئة وذهابا لتلصق بالمسلمين تهمة أنهم إرهابيون سفاكون.
يتحرك العالم، وتتغير الظروف، ويتقدم التاريخ ووسائل الإنسان، لكن المسلم لا يمكن أن يسلم له دين إلا إذا كان رحمة لا نقمة. لا يسلم له دينه، ولا يصلح له حرث آخرته إن ظلم وتكبر في الأرض، وطفف الكيل والميزان.
تربويات وأخلاقيات صنعت الأولين، فسجلوا على دفتر حقوق الإنسان سطورا من نور، لا يخرج من مسجدها ومدرستها إلا أمثال للمتقين رهبان الليل فرسان النهار.
وذلك ماتعبر عنه مقالة إمامنا مالك: يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)ذلك ما نفهمه نحن عن مقالته رحمه الله. وذلك ما سجله تاريخ مضى، ويخطط له تاريخ مستقبل إن شاء الله.
والشاهد على الماضي من المنصفين إن قل المنصفون.
طوماس أرنلد باحث إنجليزي علم في جامعات الهند منذ قرن من الزمان، عاشر المسلمين الهنود، وأعجب بأخلاقهم وروحانيتهم. وإن لذاك الشعب الحر لأخلاقا وروحانية.
وكتب كتابا جنَّدَ له علومه المتنوعة، ولغاته الشرقية والغربية، وجند له معارفه وأصدقاءه، فاستخرجوا له من وثائق الكنائس والأديرة والمكتبات الخاصة والعامة خبايا تنم عما يكتمه أعداء الإسلام، وما اعترف به قسيسو الكنيسة أنفسهم.
كان طوماس ملما بالعربية والفرنسية والأردية إلمامه بمعظم اللغات الأوربية، وجمع في كتابه نصوصا يونانية ولاتينية وإيطالية وإسبانية وهولندية وفرنسية.
عنوان كتابه” الدعوة إلى الإسلام : بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية”. وهو مترجم إلى العربية، ترجمه الدكتور حسن إبراهيم حسن مع طائفة من المتخصصين في اللغات والتاريخ. فالكتاب معلمة تاريخية.
مسح الكتاب بلاد المسلمين شرقها وغربها منقبا عن شهادات منصفة للمسلمين. ينتقل الكتاب في بحثه من بلاد العرب إلى آسيا الغربية وإفريقيا وإسبانيا وفارس والهند والصين والملايو. ويورد الحجج المقنعة والأدلة القاطعة، وكأنه في محكمة يرافع عن قضية آمن بها وبعدالتها، ومعه الحجج التي لا تقاوم.
أترك للكتاب التعبير عن نفسه وعن قضيته لمن يضرب بيده خزانة أو يظفر به في مكتبة أو يتفضل، فيطبعه تعميما للحجة.
وأنقل من مقدمة طبعته الثالثة لسنة 1935 من تاريخ النصارى هذه الكلمات لمنصف إنجليزي آخر يدعى سيل كتب منذ أزيد من قرنين ما يلي: صادفت شريعة محمد )(نقول : صلى الله عليه وسلم) ترحيبا لا مثيل له في العالم. وهؤلاء الذين يتخيلون أنها قد انتشرت بحد السيف وحده إنما ينخدعون انخداعا عظيما)سبيل الله. والعدل والنموذج الطيب حببا الإسلام إلى النفوس.
ماهي كلمتنا في حقوق الإنسان ورسالتنا في الموضوع؟
ماهو القانون الشرعي الذي به نواجه القانونية الدولية التي يتحكم في قراراتها خمسة مجلس الأمن الكبار؟
ماهو قانون الأتقى الذي نقابل به قانون الأقوى؟إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3 لم يقل الله تعالى: أقواكم.
رأس حقوق الإنسان عندنا، وأم الحريات، ومنع الكرامة، تحرير الإنسان من كل عبودية غير العبودية لله رب العالمين لا شريك له.
ومن حقه في معرفة ربه وخالقه تنبثق سائر الحقوق. بمعرفته لله رب العالمين وربه يكون حق الآخرين عليه واجبا دينيا يؤديه بإخلاص ووفاء، عبادة يعبد بها ربه، لا تعاملا مع القانونية البشرية.
هذا الإنسان الشارد من ربه الجاهل بخالقه لا تجد من يرفع عقيرته احتجاجا على هضم حقه الأول، حقه في معرفة حقيقة وجوده، ومآله، ومعناه.
الكون جملة مفيدة، ما من حرف فيها إلا له معنى، ما من ساكن ولا متحرك إلا له فائدة وصلاحية ومنطق ينسقه في المنظومة الكونية. كل ما في الكون يكتسب صلاحيته ومنطقه ووظيفته ومعناه من الإنسان.
من الذرة إلى الأفلاك نظام كامل يشد بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، وينطق كله بلسان الحال مخاطبا من يعقل أنه مهد ممهد للإنسان، لمأكل الإنسان، ومشربه، وملبسه، ومأواه، ودفئه، وراحته، وبلائه، واختباره، وتعارفه، وتواصله.
الشمس، والقمر، والبر، والبحر، والشجر، والثمر، والدواب، والأنعام، والعقل العجيب المركب في الجسم الغريب.
يكفر الإنسان الجاهل بأعظم حقوقه لأنه لا يعرف الله الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم. وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين. وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. إن الإنسان لظلوم كفارا 4
* مقتطف من فصل “حقوق الإنسان” من كتاب حوار مع الفضلاء الديموقراطيين ص 211-217
[2] سورة إبراهيم، الآيات :32-34
[3] سورة الحجرات، الآية :13
[4] سورة إبراهيم، الآيات :32-34