ومن لغا… فتح له القاضي محضرا

روى شاهد عيان عن قاضي محكمة ” بني ملال ” بمطرقة لسانه أنه قال: « إذا قلت لصاحبك العاطس يرحمك الله فقد لغوت، ومن لغا فتحت له محضرا…أنصتوا واستووا وتراصوا واعتدلوا واصدعوا بما تومرون ملبين النداء ولا تومئوا بإشارة يد ولا رأس ولا بنظرة عين… »
خطاب نزل به قاضي محكمة بني ملال بلسانه عوض مطرقته على رؤوس الحاضرين والمتهمين، الماثلين أمام عدالة بعيدة عن مسمى “العدل ” بُعدها عن القدرة على تركيع أهل العدل والإحسان. خطاب، على غرار الخطب الذي عهدناها وحفظناها كل جمعة منذ عهد بني أمية إلى عهد تعليمات المخزن، لا ليلفت انتباه الحضور ويحرص على هدوء القاعة بطرق خفيف كما هو في عرف كل المحاكم، وإنما ليزرع الخوف والرعب في صفوفهم وخاصة النساء منهم لأن كلامه كان موجها إليهن، كلام ينذرهن بيسر وسهولة تلفيق التهم وفتح المحاضر لكل المتواجدين بالقاعة، اختلط الحابل بالنابل فأصبح الكل متهما في نظر قاضينا المبجل وهنا يحضرني بيت من الشعرـ نسجا على شعر معناه أسمى وأرقى ـ
قم للقاضي وفه التبجيلا***ويحك إن قاضينا صار غولا
قمت للمرة الثانية لقاضينا الموقر، الأولى بإرادتي والثانية تبجيلا مأمورا به، مخافة أن يفتح لي محضرا كما فتح للضنينات اللواتي كن في عزاء ومواساة لإحدى النساء، والآن يحاكمن بتهمة عزاء بدون ترخيص عفوا أقصد اجتماعا بدون ترخيص، ولعل محضري هذه المرة سيكون بتهمة اجتماع غير مرخص له في هذه القاعة وبتهمة الإخلال بالهدوء لأن نَعلي غفر الله له وسامحه قد أحدث صوتا وجلبة على الأرض المبجلة للقاعة.
ومن مستملحات أطوار المحاكمة، ذبابة في القاعة حظها كان أوفر من حظي فما كان يُسمع في القاعة بعد كلام قاضينا إلا طنينها ومن حظها أيضا أن التعليمات لم تُنزل بعد نصا قضائيا في حقها، ناهيك عن كون الشبكة الأمنية والمخابراتية ـ رغم ضيق قلبها وحويصلتها ـ لم تكن ضيقة بقدر حجمها لتحتويها أو تحاكمها…ومن يدري، فإننا في زمن الاختراعات العلمية وإن التفنن في صناعة هذه الشبكة المخابراتية قد يحصل فيه تجديد قبل الموعد المقبل – حيث تأجل البث في القضايا التي حضرنا للمحكمة الموقرة من أجلها- فتصبح الذبابة من الأضناء.
ومع شرود القاضي وحبه لنغمة: إذا قلت لصاحبك أنصت والقاضي يخطب فقد لغوت… تمنيت سماع: أنصتوا رحمكم الله أنصتوا يغفر لي ولكم الله، الله أكبر، الله أكبر. فما أحوجنا إلى التكبير في هذا الزمان لدفع شر الإنس والجن، امتثالا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم فيما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني في ” فتح الباري شرح صحيح البخاري، كِتَاب الطِّبِّ”:“إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان”