هجرة أم تهجير؟

لا حديث للشارع المغربي إلا عن أفواج المهاجرين التي غزت سواحله ومدنه بل وحتى أحياءه وأسواقه. لقد أضحى المغرب القبلة المفضلة لمهاجري الدول الإفريقية الذين قذفت بهم فوهات المدافع والدبابات إلى مصير مجهول بعد أن أنهكتهم الأمراض والأوبئة والحروب الأهلية الشرسة. ومن الملفت للنظر أن غالبية هؤلاء المهاجرين من فئة الشباب والنساء وكذا الأطفال. نزيف بشري يزيد من حدة التدهور العام لهذه الدول مادامت خيراتها الطبيعية تستنزف وتقايض بآليات الفتك والدمار والتقتيل في غياب تام لأية برامج اجتماعية واقتصادية كفيلة بشد هؤلاء المهاجرين لأوطانهم. وإلا فما الذي يرغم نساء حوامل على ركوب قوارب الموت والهجرة نحو مجهول عسير المخاض؟ خوف وترقب ورجاء في معانقة حلم الخلاص من لوعة الاضطهاد والتقتيل اليومي، ومن حرقة المجاعات والأمراض؟ أم هو الأمل في تأمين ظروف عيش أكثر أمنا وأوفر غذاء وعلاجا لأبنائهن؟
أية دوافع تكمن وراء خوض كثير من الرجال من دول جنوب إفريقيا مسيرات مشيا على الأقدام أشهرا عديدة في إصرار عجيب لبلوغ شاطئ النجاة والظفر بمصدر عيش كريم يكفل لهم مئونة الأسر التي تركوا خلفهم؟
وبالمغرب -بلد العبور- يطول الانتظار وتتفاقم الأوضاع: لا مأوى ولا عمل… فيمتهن الكثيرون التسول ليضافوا إلى طوابير المتسولين المغاربة.
عند قنطرة العبور تتضاءل حظوظ معانقة حلم الضفة ” الذهبية” حيث مؤشرات الحياة الكريمة : المسكن و الملبس و مجانية العلاج و التأمين الاجتماعي و فرص العمل..الخ، ليصبح ثمن التمتع بكل ذلك هو تذكرة ركوب” قارب الموت”.
وبالرغم من كل المخاطر يزداد إصرار هؤلاء المهاجرين على المجازفة بحياتهم. لكن أمواج البحر تجري بما لا يشتهون…غرقى ومفقودون و .. صور من مئات الجثث أصبحت تذكي قتامة المشهد الإنساني الملطخ بدماء استكبار وغطرسة النظام العالمي الأحادي، معمقة بذلك فجوة التضارب بين الشمال و الجنوب؛ فاتحة الباب على مصراعيه لمساءلة المواثيق و المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عن مدى سريانها و شموليتها لكافة دول المعمور من غير إقصاء أوتمييز عرقي أو ديني.
إنها صور من التهجير الذي يطارد العديد من الشعوب المستضعفة عبر العالم و خاصة دول جنوب إفريقيا؛ صور تفضح هشاشة الواقع الإنساني الذي أجهزت عليه السياسة الدولية التي لا تتحدث سوى لغة المادة والربح السريع الفاحش، لتطرح جانبا كل القيم والمبادئ الإنسانية.
فهل إلى الخلاص من سبيل؟
إن خلاص هذه الشعوب في استرجاعها لكرامة مواطنيها وتحريرها من الجبر والتناحر العسكري و تنازع السلطة بين الفئات المستحوذة على الثروات لخدمة أطماعها السياسية على حساب مواطنيها. الخلاص يكمن في تبني مشاريع تنموية كفيلة بالنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهذه البلدان ولن يتم ذلك إلا بترسيخ قيم العدالة و المساواة بين الأفراد؛ بإشراف قيادات ذات كفاءة ونزاهة تختارها الشعوب وتحظى بثقتها.