من الحميات الرياضية إلى الحميات السياسية

ميدان العراك ملعب رياضي والخصوم إخوة تجمعهم رابطة الدين واللغة من بين ما يجمعهم، لكن مع انتهاء المقابلة أصبح المشهد غير رياضي، أصبح مشهدا يذكرنا بوطيس حظيرة جامعة الدول العربية وما يشوبها من تراشق باللوم وتحميل المسؤولية للقادة بعضهم البعض لتفترق الحظيرة إلى شيع وتكتلات !.
لكن مع كامل الأسف، لم يكن موضوع الخلاف هو القضية الفلسطينية ولا اقتحام المسجد الأقصى ولا خيبة الأمل في سلسلة الهزائم المادية المعنوية التي تذيقها أنظمة الجبر لهذه الجماهير التي جُيشت على حين غرة، فقد كان الخلاف مجرد مقابلة في كرة القدم، مقابلة يحكمها قانون الربح والهزيمة ! فكيف انتقل النزال الرياضي إلى سجال سياسي ومن له مصلحة في تسييس المقابلة ؟ بل كيف انطلت الحيلة على القادة ليجدوا أنفسهم في شوط إضافي للمقابلة وقد أخذت كلاًّ منهم الحمية الرياضية والسياسية معا ؟.
إن الهزيمة الفعلية التي يجب أن تأسف لها الشعوب العربية والإسلامية هي انهزام الصف العربي والإسلامي منذ نكسة 1967، هي هزيمة القادة في مواجهة الغطرسة الصهيونية التي تكبل سيادة بلدانهم بأغلال التطبيع والهرولة. إن الهزيمة السحيقة هي الاستسلام لهذا التواطؤ على تعميق الشرخ بين الشعوب العربية والإسلامية وإثارة النعرات بينها، يستوي في ذلك الأشهر الحرم مما سواها، وإلا كيف نسي الإخوة المتنازعون أن المسلم كل المسلم حرام دمه وماله وعرضه وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن حمية الجاهلية إذ يقول “ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا مَنْ يتحامى على عصبية، وليس منا من مات على عصبية”.
الهزيمة النكراء هي أن يصبح البيت العربي مسرحا للفرجة المجانية أمام أعين الخصوم والمتربصين، الهزيمة هي أن تهدر الطاقات البشرية العربية والإسلامية وتعطل عقولها الخلاقة ليتم اقتيادها كالقطعان إلى سفاسف الأمور فتطرح جانبا قضاياها الجوهرية والمصيرية و صدق سيدنا علي كرم الله وجهه حين قال : “الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق”.
ومما يؤسف له أن غالبية الشعوب العربية والإسلامية كثيرا ما تنساق وراء الحميات لتجد نفسها لقمة سائغة في يد أعدائها المتربصين بها، وحسْب هذه الشعوب ما أوقدته وتوقده الحميات والعصبيات من فتنة والفتنة أشد من القتل، فهل من متعظ ؟.