من الحجاب إلى المئذنة

إذا كانت قضية حجاب المرأة المسلمة هي من القضايا المثارة للجدل في أوروبا المحظورة لباسا في فرنسا، فقد كان إلى عهد قريب في عقول المسلمين السويسريين أن سويسرا وطن يتسع لهم كمواطنين ولا يضيق بمآذنهم وشعائرهم، إلى أن تحطم هذا الحق الديمقراطي على ضجيج استفتاء الأحد 29 -11 الذي قضى بمنع بناء المآذن مما يشير ويدفع إلى تساؤلات عديدة حول قبول الأخر واندماج المسلمين في أوروبا وأزمة الهوية، وفي مصلحة من إثارة الحقد والكراهية؟.
أوروبا وأزمة قبول الأخر
إن هذا الاستفتاء أو الانتخاب يمثل شكلا من أشكال الديمقراطية لكنه في مضمونه هو يعد ضربا مناقضا لديمقراطيتهم في ضمان الحق لكل شخص في ممارسة دينه ومعتقده، بل إنه يعبث بكل قيم المواطنة وحقوق الإنسان، ويكسر جسور التواصل والاندماج بين أطراف المجتمع الأوروبي ويزيد من تكتل وسلطة التيار اليميني المتطرف مع الصهيونية الحاقدة اللذان ملئا العقل الأوروبي مخاوفا وتوجسا من الإسلام والمسلمين، تحت غطاء إعلامي مدسوس لحملة عنصرية عنوانها “الفوبيا الإسلامية” أي “العداء للإسلام”.
فبعد أن روجت بكل سطحية صورة المآذن وعليها صواريخ في اتجاه العلم السويسري اختار ما يقارب57 % من السويسريين أن يتنكروا لقيم بلادهم التاريخية وتنوعهم الثقافي والديني لصالح اليمين المتطرف ضد قلة من المسلمين لا يشكلون سوى 5% من السكان وليست لهم إلا أربع مآذن!.
إن هذه الحملة ترجعنا إلى إشكالية قبول أو الخوف من الآخر أو لنقل بالتحديد رفض المسلم الأوروبي كمواطن له كامل حقوق المواطنة والمساواة، ومقدمة لأزمة صدام قد تودي بالأخضر واليابس لما تعكس من عنف قد ينتج عنفا مضادا يهدد سلم واستقرار المجتمع الأوروبي.
“وما أرسالناك إلا رحمة للعالمين”
قد يتساءل البعض هل يليق في ظل هذا العداء وهذه العنصرية أن نتحدث عن الرحمة والرفق والأخوة الإنسانية؟.
لكن المتأمل للواقع الأوروبي وتحت ظل أزماته المتوالية، فأغلبيته يعاني من فراغ روحي تدعمه لائكية ممنهجة، فأكثر حالات الانتحار هي في سويسرا نفسها، فإذا كان التدافع هو سنة الله في أرضه، فإن المسلم في أوروبا عليه أن يدافع عن حقه ويعبر عن استنكاره لمثل هذا الاستفتاء منخرطا مشاركا في قضايا مجتمعه بأخلاق نبوية حليمة كريمة، مبشرا برحمة الإسلام ورفقه، محببا لأذانه الداعي إلى الله عز وجل الكريم، ولئلا يجد كل متطرف حاقد أرضية خصبة للترويج لسطحيته وغثائيته.
“والله غالب على أمره”.