محرقة غزة جرم في حق الإنسانية

بعد الهجمة العدوانية عليها، بدت غزة كِبرْكة دماء ومقبرة جماعية لمئات الشهداء والجرحى، وازدادت الأوضاع مأساوية بفعل امتداد الحصار وقلة المواد الغذائية والأدوية وحليب الرضع وانقطاع الكهرباء وندرة المياه…إلخ، فالحصار الغاشم يريد أن يخنق كل نسمة حياة في غزة الصامدة، يدعمه في ذلك استنكار رسمي عربي محتشم.
وبعكس ذلك تعالت أصوات الشعوب العربية والمسلمة الأبية الرافضة للغطرسة الصهيونية كاشفة القناع عن جرم التطبيع مع إسرائيل وزيف ادعاءاتها بمسلسلات السلام التي لم تبرح مسوداتها لتؤكد أن القضية الفلسطينية قضية الشعوب العربية والمسلمة جميعها وقضية كل الضمائر الحية وأن ما يلحق الفلسطينيين من تنكيل وتعذيب وانتهاك لحقوقهم هو جرم في حق الإنسانية جمعاء ووصمة عار أخرى في سجل هذا القرن الدامي !
حقوق موقوفة
فالشعب الفلسطيني سُلبت أرضه واقتلعت أشجار الزيتون به، وقطعت أشلاء أبنائه في مذابح بشعة يندى لها جبين المنتظم الدولي والتي لا تزال صورها الهمجية منحوتة في ذاكرة هذا الشعب المناضل (مذبحة صبرا وشاتيلا، قانا، بيت حانون…) شعب هجرت أجيال من أبنائه وشردت في جميع أنحاء العالم ليستوطن شتات إسرائيل تحت نير الترهيب والتخويف للسكان الأصليين وذلك على مرءا ومسمع من الهيئات الأممية، فيما زج بالباقين في غياهب السجون الإسرائيلية المفتقدة لأبسط شروط الكرامة الإنسانية للسجناء، يشهد على ذلك سِجْنا “الرملة” و”هشارون” حيث يقبع آلاف الأطفال والنساء والرجال من شعب فلسطين الأبي.
فحين يتعلق الأمر بشعب فلسطين وما يعانيه من ويلات منذ أكثر من ستين سنة، تبدو هذه المواثيق الدولية والمؤسسات الساهرة على تطبيقها عديمة الجدوى، ما دام التقتيل اليومي والتجويع والترهيب والقصف العشوائي -الذي لا يستثني المستشفيات أو فرق الإغاثة والإسعاف أو المدارس- حرباً مسعورة في حق هذا الشعب الصامد. أفلا يُعتبر الحصار وهذه المحرقة وكل الويلات التي تكبدها الآلة الصهيونية الهمجية أبناءَ فلسطين استهتارا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعه كل المواثيق الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول وحقها في تقرير مصيرها وكذا مواثيق حقوق الأطفال أثناء الحروب وحقوق الأسرى واللاجئين…إلخ ؟
في مواجهة المحرقة الإسرائيلية : الصمود بدل الاستسلام
لم تكتف الآلة الصهيونية الغادرة بتدمير البنى التحتية بالأراضي الفلسطينية وإحالة اليد العاملة بها إلى عطالة كاسحة تتخبط في الفقر والحاجة لأبسط ضروريات الحياة، فقد فاقت نسبة البطالة كثر من 50في المائة فيما بلغت نسبة الفقر بين الأسر الفلسطينية 80 في المائة حسب بعض الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، بل إنها عززت ذلك بشتى أنواع التقتيل والتنكيل اليومي وفرض الحصار الجائر الذي أجهز على كل المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم وأغلق كل المعابر المؤدية إلى غزة والقطاع.
لكن الشعب الفلسطيني، بِصموده، يُفشِل هذه الأساليب القمعية والوحشية الإسرائيلية الرامية إلى تركيعه وطمس مقاومته، مناشدا كل الضمائر الحية لإيقاف شريط المجازر والمحرقات في حق أبناء فلسطين الأبرياء العزل.
فقد اختار الفلسطينيون الصمود بدل الاستسلام لمخططات التهويد وطمس المعالم الدينية والحضارية لأرضهم من قبل الصهاينة الغاصبين واتخذوا من المقاومة سلاحا لصد العدوان الغاشم على أبنائهم وأرضهم وحضارتهم، فقد مضى من عمر هذا الاستيطان ستون سنة، ولا جديد في الأفق إلا انتظار موعود الله عز وجل والعمل لأجله ” فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ( 5 ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( 6 ) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ( 7 ) “سورة الإسراء.
فطوبى لشهداء فلسطين، وطوبى للصامدين والمناصرين وبئس ما صنعت أيدي المتخاذلين المتقاعسين !