ماذا خسر المخزن في سنتين من التعسف في حق جماعة العدل والإحسان؟

نتحدث بلغة الربح والخسارة لأن منطق المخزن أراد لسنتين من الحملة الشعواء على جماعة العدل والإحسان أن تكون صفقة رابحة لصالحه، غير أن زاوية احتساب الربح والخسارة تختلف من طرف إلى آخر مادامت المنطلقات متباينة. من زاويتنا طبعا سنحاول وإياكم أن نعرض بعض شعارات “العهد الجديد” – وما أكثرها- على سنتين من حرب الاستنزاف ضد جماعة العدل والإحسان لنخلص سويا لحصيلتها.
دولة الحق والقانون
ذ 1999 والخطاب الرسمي في المغرب يتغنى بالقطيعة مع العهد القديم وتدشين “دولة الحق والقانون” التي يكون فيها القانون هو الضامن لحقوق الأفراد والفئات المؤطرة بثقافة الحوار والنقاش العمومي، والمُحِلَّة لسلطة القانون الناعمة محل سلطة القوة السافرة) 5 والتي يكون الفرد فيها بالأساس مواطن صاحب حقوق طبيعية، راسخة، لا تقبل السلب، حقوق يضمنها ويحميها القانون) 6 لكن هل يصمد شعار ” دولة الحق والقانون” أمام الحصيلة الثقيلة لسنتين من التعسف في حق أعضاء جماعة العدل والإحسان منذ 25 ماي 2006 لا لشيء إلا لأنهم نظموا أيام الأبواب المفتوحة ليعرفوا بمشروع العدل والإحسان بكل وضوح وشفافية ؟
هل تصمد مصداقية شعارات الديمقراطية والتعددية والانفتاح على كل مكونات المجتمع أمام مسلسل مداهمات البيوت واعتقال أعضاء جماعة العدل والإحسان بتهمة الانتماء لجماعة غير قانونية وعقد تجمعات عمومية دون سابق تصريح ،مسلسل يستمر وتتكرر فصوله بنفس السيناريو في كل مدن المغرب وقراه والحصيلة لحد الآن 5388 فرد تم اقتيادهم إلى مخافر الشرطة و1013 منهم توبعوا قضائيا. سنتان ومحاكم المغرب تحكم الواحدة تلو الأخرى بقانونية الجماعة وتأكد قرار قديما للمجلس الأعلى بهذا الشأن، عبث !
فكيف نفسر هذا التعسف ؟
فإما أن أبناء العدل والإحسان مستثنون من حق المواطنة ؟ أو أن الشعار الحداثي لم ينجح في ستر الوجه الحقيقي للدولة المخزنية مطلقة السلطات التي تعتبر الحقوق هبات وأعطيات ومنح تتكرم بها السلطة على مرعييها، وليست حقوقا طبيعية، أو أصلية، وغير قابلة للتفويت…الدولة البوليسية التي تحكمها الهلوسات والهواجس الأمنية، التي تأخذ الناس بالشبهة، وتمارس عنفا على المجتمع وكأنها في حالة حرب معه ) 7
القطيعة مع الماضي
شعار طنان رددته وسائل إعلامنا منذ سنوات، وتغنت به جميع مؤسسات بلدنا في الداخل والخارج مبشرة بعهد جديد، لكننا نضع مصداقيته على محك واقع سنتين من مداهمات البيوت ونهب ممتلكاتها والاعتقالات الجماعية والاختطافات اللا قانونية التي طالت ولا تزال رجال العدل والإحسان بل ونساءه في سابقة خطيرة لم يعرفها المغرب حتى في عز سنوات الرصاص!
شعار نسائله ومشاهد اعتقال عشرات النساء ومحاصرتهن وتحرير المحاضر لهن بمخافر الشرطة تصِل ماضي الخروقات بحاضرها وتعيد شريط انتهاكات سنوات الرصاص إلى الأذهان.
فعن أي قطيعة يتحدثون ؟
إنما هو استمرار لممارسات المخزن في تجاوز جميع القوانين والأعراف في عهد جديد بامتياز : جديد في ممارساته القمعية وأساليبه الردعية قديم في مبادئه وأسسه.
كيف يدعي المخزن القطيعة مع الماضي وقد سكت عن ملفات كثيرة على رأسها ملف معتقلي العدل والإحسان الإثني عشر القابعين في سجون المخزن منذ سبعة عشر سنة استثنوا فيها من جميع الامتيازات التي يخولها لهم حسن سلوكهم وتميز أخلاقهم ؟
عن أي قطيعة يتحدثون وقد عرف ملف الأخ عمر محب لوحده كل أنواع الانتهاكات والتجاوزات والإملاءات التي تميز بها العهد القديم ؟
واللائحة تطول …..
محاربة العنف ضد النساء!
بصدور قانون الأسرة في شهر فبراير 2004 أعلن النظام المغربي عن عزمه على إحداث نقلة “نوعية”
و”تاريخية” في وضع المرأة المغربية، وذلك بالقضاء على جميع أنواع التمييز ضدها وبمحاربة جميع أشكال العنف المادي والمعنوي الذي تتعرض إليه بغية تمكينها من المشاركة الفاعلة في مسلسل التنمية للبلاد !
يحق إذن لكل لبيب أن يتساءل عن موقع نساء العدل والإحسان من هذه العزمة ” التاريخية”؟
أين نصنف عشرات الاعتقالات ضد هؤلاء النساء : ترويع واعتداء يتم فيها اقتياد نساء حوامل ونساء مسنات وأطفال رضع إلى مخافر الشرطة ، وهراوات تنزل على أجسادهن مصحوبة بوابل من الشتائم والكلمات النابية؟
كيف نقرأ وقائع تشميع بيوت خاصة وطرد أصحابها منها لشهور عديدة بِحرّها وقرّها …؟
نتساءل عن حظ زوجة الأخ المرجاني التي ألقيت في الشارع يوم 18 فبراير2007 على الساعة الثانية و النصف بعد منتصف الليل وهي حامل على وشك الوضع ؟ ما حظ رضيعها من حقوق الطفل التي ينص عليها قانون الأسرة الجديد وقد احتفل بعقيقته في العراء ثم بختانه يوم 11 ماي 2008 في الهواء الطلق أيضا لأن أسرته لا تزال مشردة منذ قرابة سنة ونصف؟
ما حظ زوجة الأخ عمر محب وأطفالهما من بركات ” قانون الأسرة ” وقد حرموا من الزوج والأب منذ قرابة سنتين بملف مفبرك ومحاكمة مهزلة تشم منها رائحة التوظيف السياسي التي تزكم الأنوف؟
ما حظ أمهات وزوجات وأبناء المرابطين الإثني عشر في سجن فاس من منح قانون وعد نساء المغرب وأطفالهن بمستقبل الكرامة والعيش الكريم؟
ما حظ الأسر التي هدمت بيوتها بمراكش من فضائل قانون الأسرة ؟ وأين هو الاستقرار والكرامة الموعود بهما ؟
أليس كل ذلك عنف ممارس من طرف أجهزة الدولة ذاتها التي عاهدت نساءها بحماية حقوقهن ؟
لماذا لا نكاد نجد ذكرا لما يقع في تقارير جمعيات محاربة العنف ضد النساء ؟ أم أن هؤلاء النساء غير النساء؟ أو أن عنف الدولة ووكلائها لايدخل ضمن لائحة العنف الذي يريد النظام القضاء عليه؟…
التنمية البشرية
منذ الإعلان عنها في ماي 2005 ، ما فتئت الدولة تؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تهدف إلى تقليص نسبة الفقر، ومحاربة الهشاشة والتهميش، والإقصاء الاجتماعي ، وأنها ترتكز على مبادئ منها:
• احترام كرامة الإنسان
• حماية وتعزيز حقوق المرأة والطفل
• بت الثقة في المستقبل لدى المواطن
• إشراك وإدماج المواطنين في المسلسل الاقتصادي
فلا نملك إلا أن نتساءل : لماذا إذن تحاصر جمعيات جماعة العدل والإحسان بل ويتابع بعضها قضائيا ( 12 لحد الآن) ؟
لماذا يضيق على مبادرات القطاع النسائي للجماعة في مجال التأهيل ومحاربة الأمية والعمل التعاوني رغم ما أثبته من فعالية وجودة عالية في الأداء وتميز في تحقيق الأهداف ؟
كيف يضيق بل ويمنع من الفعل قطاع نسائي جعل جبهته الأولى المساهمة في تحرير المرأة المغربية من قيود الجهل والفقر والمرض، تلكم القيود التي تقعدها عن أداء دورها الحقيقي في المجتمع وتدخلها سجن الاستضعاف من أوسع أبوابه، بل تجعلها الضحية الأولى لمختلف الأزمات التي تعصف بالأسرة والمجتمع قاطبة؟
لماذا تعتقل نساؤه ؟
ألأنهن اخترن أن يكن نساء فاعلات في مجتمعهن يتربين على نهج الصالحات من هذه الأمة ويأخذن بيد أخواتهن لتتحرر إرادتهن فيصبحن مواطنات مبادرات فاعلات لا عالة على المجتمع؟
هل تصمد الشعارات أمام ما يحدث منذ سنتين في كل أنحاء المغرب أم يعري عن زيفها ويفضح أولوية تلميع الواجهة في مبادرات نظامنا على أي مبادرة حقيقية للإصلاح؟
الحصيلة :
جماعة العدل والإحسان :
• يعتدى عليها بشكل متواصل منذ سنتين كاملتين في بلد قيل إنه قطع مع ماضي الخروقات الحقوقية.
• تثبت يوما بعد يوم ثباتها على المبدأ وإصرارها على الصدح بالحق واستنكار للظلم.
• تأكد كل يوم تمسكها بمنهجها السلمي ورفضها المبدئي والفعلي لمواجهة العنف بالعنف .
• تزداد تشبثا بمبدإ الوضوح ونبذ السرية وحرصها على الانفتاح.
• لا ولن تمل من الدعوة للحوار ومد الجسور بين فعاليات المغرب للخروج بالبلاد من أزماته، وتمد اليد لكل أصحاب الإرادات الحرة الحريصين على مشاركة كل طاقات البلد في خدمة المغرب وأهله بعيدا عن كل إقصاء وتهميش.
المخزن :
• يثبت يوما بعد يوم أن المغرب بلد الفرص الضائعة بامتياز وبلد التناقضات مع الذات ، وأن لا إرادة حقيقية للتغيير لأن شرطها الأول والغائب يتمثل في قبول الرأي الآخر وفتح المجال لا التضييق والحصار والعنت.
•
يأكد كل يوم أن شعارات تـرسـيـخ دولـة الـحـق والـقـانـون، وتـوسـيـع فـضـاء الحـريـات، والنـهـوض بـحـقـوق الـمـرأة والـطـفـل، وفصل السلط ، واستقلالية القضاء والتنمية المستدامة …. مجرد سراب وأوهام ما دام النظام لا يملك الشجاعة للقيام بإصلاحات جذرية تقطع فعليا مع الماضي تصورا ومنهجا ويكتفي بحلول ترقيعية في إطار ما يمنح الفصل 19 من صلاحية للمؤسسات.
• رغم نجاحه لحد الآن في حفظ ماء الوجه أمام المنتظم الدولي وذر الرماد في عين أغلب الملاحظين الخارجيين إلا أنه داخليا يفقد يوما بعد يوم مصداقيته أمام شعب بلغت أزماته الاجتماعية مداها فأخذ يستفيق شيئا فشيئا من ثمالة شعارات كاذبة كادت تنطلي عليه لولا أن ضغط الأزمة كان أقوى.
• يسقط يوما بعد يوم في شرك سياساته ويفقد صوابه ليسقط في عنف مجاني ليس ضد العدل والإحسان فقط وإنما ضد فئات عريضة من المعطلين والمحتجين ضد غلاء الأسعار وتفاقم هشاشة مستواهم المعيشي والمتدمرين من ظروف الشغل في معامل لم تعد مصدر رزق لهم ولذويهم وإنما تهدد يوميا بأن تصبح مقابر جماعية لعشرات العمال من جراء الإهمال وتجاوز القوانين والاستغلال البشع المتخفي في ظل استفحال ظواهر الرشوة والفساد في الدوائر المسؤولة.
فمن الرابح ومن الخاسر فيما يحدث ؟
لا يهم في نظري وليس هذا منطق جماعتنا لأننا لسنا في صراع مع أحد ، نحن المعتدى علينا وهذا لن يثنينا عن المضي قدما وبثبات في طريقنا.
ما يهمنا نحن هو أن ندعو أنفسنا وسائر رجال الأمة ونسائها لتجارة رابحة مع الله تعالى لن تبور إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراوعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور 8 ،لأن ذكر الله هو الأصل ورضا الله هو المطمح ، وليكن إنفاقنا من الصبر وحسن الخلق والإحسان للخلق والوقت والجهد خدمة لهذا البلد.
وندعو بعضنا لتجديد الثقة في موعود الله تعالى لتَحيى بها هِممُهنا وترتفع لطلب ما عند الله تعالى والاستعداد ليوم لقاء الله .
والله المستعان
[2] مقال”دولة الحق والقانون “بقلم أمياي عبد المجيد ، نشر في موقع الحوار المتمدن – العدد: 1814 – 2007 / 2 / 2
[3] مقال “دولة القانون بين الواقع والمثال ” بقلم محمد بن سبيلا نشر في موقع الأوان بتاريخ 2007-03-25
[4] فاطر 29-30
[5] مقال “دولة القانون بين الواقع والمثال ” بقلم محمد بن سبيلا نشر في موقع الأوان بتاريخ 2007-03-25
[6] مقال”دولة الحق والقانون “بقلم أمياي عبد المجيد ، نشر في موقع الحوار المتمدن – العدد: 1814 – 2007 / 2 / 2
[7] مقال “دولة القانون بين الواقع والمثال ” بقلم محمد بن سبيلا نشر في موقع الأوان بتاريخ 2007-03-25
[8] فاطر 29-30