كيف يدمر أغنياء العالم المجال البيئي ؟

ما أجمل أن يستفيق الإنسان على سماء يضيء نورها كل الأرجاء ويدغدغ حواسه ومشاعره ليجعلها تتفكر في صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ! وما أجل أن يدرك الإنسان عظمة هذا الكون البديع وتفرد خالق بأن جعل لكل شيء قدرا في توازن وانسجام منقطع النظير، رزقا للعباد وفضلا ونعمة ! أجرى سبحانه الأنهار والبحار، العذب الفرات و الملح الأجاج، وأجرى الرياح وأنزل الأمطار وسخر الشمس والقمر دائبين، وجعل الليل و النهار خلفة لمن أراد أن يتدبر ويشكر الواهب سبحانه على أن جعل الرحمة بمخلوقاته ترياقا لأدوائها وميزانا تستقيم به أحوالها في كل شيء. لكن ما أفظع أن يكون هذا الإنسان جاحدا لأنعم الله، جائرا على مخلوقاته، مفسدا لخيراته ومسرفا في استغلالها، عنيفا في إشباع حاجياته منها ! تلك صور من الهوس الجامح للتصنيع الرامي إلى الاغتناء بكل السبل والذي ألحق بالمجال البيئي اختلالات بليغة، أصبح معها الكوكب الأرضي” صوبة زجاجية” لا تفتأ حرارتها تزداد ارتفاعا وحياة الكائنات بها تضررا.
التقدم الصناعي : بأي ثمن ؟
فالوتيرة المتسارعة للتصنيع و التسلح من قبل الدول المتقدمة و تزايد انبعاث غازات الدفيئة تنذر بكارثة حقيقية توشك أن تغير معالم الكوكب الأرضي و تعيد توزيع التواجد البشري و الحيواني فوقه، في حين تظل تداعيات هذا التغيير مفتوحة على جميع الاحتمالات، مادامت جهود الحد من أسباب الاحتباس الحراري بقبضة ” أغنياء العالم”.
فأي تقدم وأية تنمية يراد للبشرية ما دامت الأسس بلا وازع إنساني وما دامت الغاية مادية بحثة والوسائل
بلا أخلاق !
أي تقدم هذا الذي يحمل في طياته بذور انقراض أنواع حيوانية ويحكم على أنواع أخرى بهجران النوم بعد أن تغير النسق البيئي الذي يؤويها ؟
أي تصنيع هذا الذي يُغِير على الحوائل الطبيعية الحيوية، وخاصة الشعاب المرجانية والغابات المدارية التي تعتبر أحزمة واقية ومساعدة على امتصاص بعض الغازات المضرة بالكائنات الحية ؟
أي تصنيع هذا الذي يبني صرحه على أنقاض ما خلفته سوق الأسلحة والتجارب النووية من دمار ونفايات وغازات تدوم سمومها لعقود طويلة ؟
أي تقدم هذا الذي يؤسس لتغييرات جينية تؤدي إلى تشوهات خلقية للأجيال القادمة، فتزهق من أفواهها فرحة الإطلالة على هذا الكون البهيج ؟
أصل الداء
تنفرد الدول المصنعة بسلطة القرار السياسي العالمي وتتخذه وسيلة لعرقلة كل المحاولات الداعية إلى تقليص حجم التصنيع والتجارب النووية، وبالتالي التقليل من انبعاث الغازات المضرة بالمجال البيئي.
ولدعم مواقفها الرافضة تستغل هذه الدول نفوذها داخل المؤسسات الدولية و كذا حق النقض.
فإذا كانت الدول الأكثر غنى و تصنيعا في العالم قد تنبهت للمخاطر المحدقة بالكوكب الأرضي و صاغت اتفاقيات للحد من انبعاث الغازات، فإنها لم تتوصل بعد إلى توافق شامل للالتزام بمضامين هذه القوانين بسبب تملص الولايات المتحدة الأمريكية وتخوفها من تقليص نسبة النمو وتراجع الأرباح.
ناهيك عن إمساك هذه الأخيرة بزمام الاقتصاد العالمي، حيث تبدو العولمة الاقتصادية نظاما ليبراليا كاسحا يتخذ من الإنسان والطبيعة وقودا لآلته الجشعة بغية تحقيق المزيد من الربح وتكديس الثروات ورعاية امتيازات قوى الضغط الاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من الأصوات المنددة بالآثار الخطيرة لتزايد وتيرة التصنيع على المجال البيئي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبارح منطقها المستبد المتجاهل لقوانين حماية البيئة.
فهل تذيب حرارة “الصوبة الزجاجية” غطرسة “شرطي العالم” ومعاونيه لتجرده من سلاح هوس الربح المادي ؟ أم أن الملف البيئي سيظل خارطة طريق يتاجر بها أغنياء العالم عبر المؤتمرات والاتفاقيات الموقوفة التنفيذ للحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم السياسية والاقتصادية وإن كان الثمن حياة كل الكائنات ومستقبل الأجيال القادمة ؟