غزة توقظ الأمة
طال نومنا وتقاعسنا عن أداء مهمتنا اﻹستخلافية، فالحرب على غزة ليست وليدة الساعة، بل هي حرب ممتدة جذورها في التاريخ الطويل. تاريخ صراع الحق مع الباطل. فالحقد الصليبي الغاشم تصدى له صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه وأمثاله وحقق العزة والكرامة للمسلمين، لكن ما لبثت أن عادت الأمة إلى سباتها العميق، وتركت الساحة للعدو يصول فيها ويجول. أفما آن لهذه الأمة أن تهب من جديد وتستنهض همتها ولو على ھﺫه الصفعات المؤلمة.
الغلبة للأقوى عند غياب الأتقى
فالله سبحانه وتعالى مع المتقين، وناصر المجاهدين اﻠﺫين يعشقون الموت كما يعشق الكفار الحياة، والله مع القلوب التي تهفو للشهادة كما تهفو قلوب الغافلين للخليلة والكأس والغانية.
ولما كانت ھﺫه القلوب الحية بالإيمان النابضة بالإحسان، ملتفة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كانت الملائكة تقاتل جنبا إلى جنب الصحابة الكرام، تقويهم وتشد عضدهم، وترهب الكفاروتهمزمهم. قال تعالى»بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم ھﺫا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.» (1)وﺫلك حين كان الصحابي الجليل يتضرع ليلة المعركة إلى الله بالدعاء قائلا׃اللهم اكتب لي الشهادة غدا، واجعل الكفار يفقؤون عيني ويجدعون أنفي ، لتقول لي يوم القيامة فيما ﺫاك عبدي أقول فيك ربي.
كما أن الفئة القليلة المؤمنة الصامدة كانت تغلب الفئة الكثيرة بالتقوى، فقد قتل سيدنا داود عليه السلام جالوت وهو طاغية جبار قيل أنه من العمالقة، وما استطاع قتله إلا بتقواه وقوله هو والفئة المؤمنة معه«وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين»(2).
وكان صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه يتجول في الليل بين خيام المجاهدين المرابطين أثناء الحروب الصليبية، وكلما وجد المجاهدين يقرؤون القرآن ويقومون الليل إلا وقال ׃النصر يأتي من هنا. وعندما يجد آخرين نائمين فانه كان يقول׃ من هنا نؤتى.
وبالفعل من هناك أوتيت الأمة المسلمة فعدد المسلمين يضاعف عدد اليهود بأضعاف مضاعفة، ومع ﺫلك فاليهود اليوم يتحكمون في دواليب الاقتصاد والسياسة والفن على الصعيد العالمي. بل هم الحاكم الفعلي في الولايات المتحد الأمريكية من خلال منظمتيهم«كهيلا نيويورك» و«اللجنة اليهودية الأمريكية» وما حققوا ﺫلك إلا بفعل تخطيط محكم وعمل دءوب، ﻔﺫوي الأموال منهم استثمروا أموالهم لخدمة أهدافهم المنشودة، والفنانون والإعلاميون سيطروا على التوجه الفني في العالم وفق نفس الأهداف، والسياسيون استحوذوا على صانعي القرار، بعد أن عزفوا على وتر الاضطهاد العالمي لليهود، والمحرقة التي تعرضوا لها. ولما أصبحوا كالأخطبوط يتحكمون في جميع شؤون العالم، تحكموا في رقاب الحكام العرب اﻠﺫين يسبحون بحمد أوربا وأمريكا ويقدسون لها. وكبلوا أيديهم وألسنتهم حتى أصبحوا يرون إخوانهم يقتلون، وأعراضهم تنتهك ولا يستطيعون فعل شيء، فهم مشلولي الإرادة لا حول لهم ولا قوة.
أما آن للأمة أن تستفيق
قال تعالى«وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.»(3) هل مناصرة غزة، والتصدي ﻠھﺫه الشرذمة الحقيرة التي أصبحت لها قوة في العالم، يكون بالبكاء والنحيب؟ أم بالصراخ والعويل في مسيرة عابرة يفجر فيها الغضب؟ ثم يعود المرء إلى ملذاته ولهوه. أم تراه يكون بالرقص والغناء؟ وتخصيص ريع الحفلة للمصابين في غزة؟ هل تضمد جراحاتنا غانية أم يرقص عليها العابثون؟.
لا وألف لا فالمناصرة تكون بإعداد العدة والتقوى. لأن الحرب بين الكفر والإيمان ليست عابرة، ولا يحسم فيها بضربة لازب؛ بل تحتاج إلى تخطيط وإعادة بناء. فعقولنا ونفوسنا المترهلة، ينبغي إعادة صياغتها، وأجسامنا الرخوة يجب بناؤها وتقويتها من جديد. فدخول المعركة يتطلب التهيؤ المسبق، وإلا فسنكون كمن يقاتل دون سلاح. ومددنا وقوتنا نلتمسها من اتصالنا بخالقنا ، وإصلاح نفوسنا يكون بالرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف. وإعادة صياغة عقولنا يتم بتعلم العلوم الكونية، والتفوق في كل ما من شأنه أن يحقق لنا العزة والكرامة.
وإن الله لناصر دينه لامحالة بعز عزيز أو ﺒﺫل ﺫليل. فاللهم اجعلنا من الأعزاء، وممن يسعون إلى إعلاء كلمة لا إله إلا الله خفاقة فوق بقاع العالم آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
__________________
(1) سورة آل عمران׃125.
(2) البقرة׃247.
(3) النساء׃74.