رجال كالجبال

كنت أستعظم ولا زلت أفعل السنوات الطوال التي قضاها معتقلونا الاثنا عشر في غياهب السجون الظالمة وهم شامخو الهامة، إرادتهم حديد وصبرهم شديد ويقينهم بالله تعالى فريد.
هؤلاء الرجال الذين صنعوا تاريخا مليئا بالفخر وعزة النفس يستحقون منا كل تعظيم وتبجيل لما بذلوه ولا يزالون يبذلونه من تضحيات جسام بها استحقوا أن يكونوا مثلا يحتذى وشارة في طريق البطولات على مر الأزمنة وطول المدى.
ترى ما الذي نهض بهذه الهمم الشابة وما الذي كان لهم زادا به اغتذت أرواحهم على مر الأيام والشهور والأعوام؟.
إنه القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) . إنهم فتيه آمنوا بربهم فزادهم الله هدى وتغذوا بآيات القرآن الكريم فصَلُب عودهم وصار عصيا على من يريد أن يعجُمَه ليكسره أو يثنيه.
امتدت بهم أيام البلوى وليالي النجوى، أيام قضوها في حفظ القرآن الكريم ولياليَ عكفوا فيها على باب الملك الوهاب سبحانه الذي أمطر على قلوبهم شآبيب رحمته لمَّا أبلوا البلاء الحَسَن وهجروا مضاجع الوَسَن وكفروا بكل جبار وثَن، أطاعوا أمر ربهم عز وجل وعصوا رُسُل المساوماتِ والمهادناتِ والخبالِ والوَهَن.
هؤلاء الفتية الأبرار رفعوا رأس جماعة العدل والإحسان عاليا، فحقهم علينا كبير كِبَرَ ما أسدوه إلينا من عظيم النَّوَال والأُعطِياتِ ذوات القدرِ والجلال.
حقهم علينا أن لا تُنسِيَنا صروف الدّهر أيَاديَهم البيضاء فيما مضى وصبرهم على ما قدر الله عز وجل وقضى، وأن لا تلهينا فرحة اللقاء بهم عن التطلع إلى ما تُبشِّر به طلعتهم البهية وأنفاسهم الزكية من جميل العطايا وحَسَن النوايا فيما يستقبل من زمان، زمانٍ نرى فيه إن شاء الله لهم في سماء المعالي قاماتٍ ومقاماتٍ حين يتوج الله سبحانه وتعالى جهادهم الطويل بالمجد في الدنيا وبالنعيم في دار المُقَامة جِوَارَ العزيز الجليل سبحانه.
بارك الله عز وجل في أعمارهم حتى نرى ما غرسوه في عقولهم من غِرَاسِ العلوم وما أودعه الله عز وجل في قلوبهم من بوارق أنوار التنزيل وساطعات الفضل وفروع الإحسان.