خطنا السياسي الواضح

يعيش بلدنا هذه الفترة الأخيرة ظروفا خاصة تميزت بحملة شعواء يشنها المخزن مستعينا بأجهزته الأمنية _عفوا المروعة_ بمختلف أصنافها على أبناء وبنات جماعة العدل والإحسان، لكن ما ميز هذه الحملة هي أنه سبقتها ورافقتها حملة إعلامية مضللة تروج الأكاذيب والافتراءات على الجماعة وتتهمها بالسعي لإغراق البلد في فتنة لا تحمد عقباها. وما دامت تلك الحملة الإعلامية تستغل كتابات الجماعة ومواقفها من النظام القائم لتتهمها بالتدبير للإطاحة به، وما دمنا قد اعتمدنا الوضوح شعارا لعملنا، فإننا نهدف من خلال هذا المقال إلى توضيح خطنا السياسي ومنطلقاته وأهدافه ووسائله.
لسنا مجرد معارضة حزبية
روى أبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“خذوا العطاء مادام عطاء، فإذا صار رشوة عن الدين فلا تأخذوه. ولستم تاركيه، يمنعكم من ذلك الفقر والحاجة. ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار. ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب. ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم”أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدورة رحى الإسلام، وأخبرنا بأن القرآن والسلطان سيفترقان، وأمرنا أن لا ندور مع السلطان إن فارق كتاب الله، بل نلزم كتاب الله عز وجل.
ما معنى أن يفارق السلطان القرآن؟
يفارق السلطان القرآن، معناه أن يحيد عن أمر الله الذي أرسل رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، قال سبحانه وتعالى:لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط 5 من معاني القسط قسمة عادلة للأرزاق ونصرة للضعيف واقتصاص من الظالم، وقد فارق السلطان كتاب الله عز وجل منذ أن استبدل الخلافة الراشدة الأولى ملكا يفرض على الأمة بيعة الإكراه، منذ أن فارق الشورى وحكم بالهوى وأصبح سيفا مصلتا على رقاب المسلمين ليخنعوا ويخضعوا ويسكتوا على تكديس أموال المسلمين في قصور تبنى من ذهب وتملأ بالجواري الحسان من بنات المسلمين المسبيات…
أن يفارق السلطان كتاب الله عز وجل معناه أن يحكم بغير ما أنزل الله، وأن يقضى بغير الحق، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون 6
وما معنى أن ندور مع كتاب الله عز وجل حيث دار؟
أمرنا الله عز وجل أن لا نطيع أمر المفسدين، قال سبحانه:“ولا تطيعوا أمر المسرفين اللذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون”فنحن لا نعارض حكام الجبر معارضة الأحزاب السياسية، بل نعصيهم لأنهم خربوا الدين وحادوا عن جادة الصواب، نعارضهم لأنهم اتخذوا الأنظمة المستكبرة في أمريكا والغرب أولياء من دون المؤمنين. وبهذا فموقفنا أعمق من مجرد المعارضة السياسية.
نحن لا نطيع حكام الجبر لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال:“ًسيلي أموركم رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فقلت يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: وتسألني يا بن أم عبد كيف تفعل! لا طاعة لمن عصى الله” 7
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نأخذ العطاء إن صار رشوة عن الدين يشترط علينا أن نشهد بالزور ونقول ما لا يرضي الله عز وجل، وأي شهادة زور أعظم من أن نسمي حكما جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه بالعض والجبر إمارة للمؤمنين؟!
إنه كذب على الأمة لا نقبل به ولا نرضاه لديننا، ولو كان الثمن ما أخبرنا به الصادق المصدوق: “إن عصيتموهم قتلوكم”كلا ولن يمنعنا من رفض العطاء إن صار رشوة عن ديننا فقر ولا حاجة يا رسول الله صلى الله عليك وسلم.
هذا غاية ما بيننا وبين حكامنا، فلسنا بحمد الله ممن يسعى للفتن، وتاريخنا يشهد بذلك، لكننا لا نقبل بالرشوة عن ديننا ولا نصف نظام حكمهم إلا بما وصفه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
موقفنا واضح وثابت لعقود من الزمن، منذ رسالة “الإسلام أو الطوفان”، ومنذ أولى أعداد مجلة “الجماعة” التي شكلت منطلقات منهاجنا. فما الجديد الذي تبرر به السلطات ردود الأفعال العنيفة هذه؟
إن كان خوفهم مما يزعمون أننا قد نخفيه من نية مبيتة، فجوابنا أن اطمئنوا فلا شيء تغير من مواقفنا منذ بداية مسيرنا، لاءاتنا الثلاثة: “لا للعنف، لا للسرية، لا للتمويل الأجنبي” لا زالت على حالها، فليس من شيمنا التبديل وأنتم شهدتم وتشهدون بذلك.
اطمئنوا فنحن مطمئنون بأن الله عز وجل كفانا أمر مواجهتكم ونكِل أمركم إليه سبحانه، فالله سبحانه يدافع عن اللذين آمنوا، ويتوعد من يؤذي أولياءه حربا لا قبل له بها، فهو القائل في الحديث القدسي على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب” على يقين بأننا لسنا مضطرين للتخطيط لقلب نظام أصبح على شفا جرف هاو، بل الله تعالى تعهد بوضع حد لفسادكم:إن الله لا يصلح عمل المفسدينفنهاية المفسدين تأتي من فسادهم المستشري الذي يحمل في طياته عوامل نهايته.
لكننا لا نقبل أن نركب سفينة مآلها الغرق، بل نصنع على عين الله عز وجل سفينة النجاة ونستعد ليوم يأذن الله عز وجل لنكون في الموعد… موعد النصر والفتح والنجاة والتمكين.
هذا هو موقفنا فما مشروعنا؟
قد يقول قائل: نتفق معكم حول هذا التشخيص، ولكن قولوا لنا كيف ستغيرون من هذا الواقع وماذا تقترحون بدله؟”
وجوابنا أننا أمة من الناس وثقوا بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشرنا جميعا بخلافة ثانية على منهاج النبوة تكون آخر الزمان، وتخلف الحكم العاض والحكم الجبري. روى الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:“تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة. ثم سكت”مشروعنا أننا نثق ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندعو المسلمين والفضلاء من أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، لنتعرض جميعا لقدر الله سبحانه، ليجمع بأيدينا ما تفرق من أمر الأمة، ويعود السلطان لمعانقة كتاب الله عز وجل.
كيف ذلك؟
ندرك جيدا أن واقعنا من التعقيد والصعوبة ما يجعل تصور تغييره بضربة لازب أو بمسحة يد حلما معسولا لن يكون في مستوى التعرض لقدر الله عز وجل، فسنته سبحانه وتعالى تقتضي أن نجتهد ونجد ونبذل ونستفرغ الجهد والوقت والنفس والمال في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ولا بد مع ذلك وقبله من سنة التدرج.
تدرج أولا حتى نربي رجالا ونساء يكونون في مستوى الموقف الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة لمن عصى الله”، رجال ونساء يكونون في مستوى الثبات الذي يجعلهم لا يرجعون ولا ينكثون العهد مهما أوذوا، ولا يقبلون رشوة عن دينهم مهما بلغ بهم الفقر والحاجة من مبلغ.
وتدرج في برنامج يمكننا من الخروج من واقع مفتون حيث الباطل ضارب أطنابه في قواعد المجتمع، ضارب جذوره في النفوس والمعاملات والأذهان والعادات… إلى واقع يكون فيه السلطان وسيلة لإحقاق الحق والحكم بما أنزل الله من أمر بالقسط والعدل، روى الإمام أحمد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا، حتى يطلع. فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره. ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله، حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره”نحن ندرك واقعنا جيدا لكن علينا أن نكون لا على مستوى العصر الذي تتحكم فيه قيم الجاهلية، بل على مستوى مستقبل نقترحه نحن على التاريخ، ونصنعه، ونخترعه على هدى من الله وبإذنه) 8
[2] المائدة الآية49.
[3] روى الإمام أحمد وابن ماجة والطبراني عن بن مسعود
[4] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين، ص 26.
[5] الحديد الآية24.
[6] المائدة الآية49.
[7] روى الإمام أحمد وابن ماجة والطبراني عن بن مسعود
[8] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين، ص 26.