حياتنا المزرعة

بلغني بريد يقول بعضه:
لكي تدرك قيمة الدقيقة اسأل شخصا فاته القطار أو الطائرة …
لكي تدرك قيمة الصديق اخسر واحدا.
لكي تدرك قيمة ذكر الله مت وانظر ماذا فقدت من عمرك وأنت غافل.
تأملته مليا لأجده يركز أساسا على قيمة الوقت والصديق والذكر.
وإن أيقنت أن بعد الموت لات حين مناص فإن العبرة باغتنام الأوقات قبل الممات حتى لا نغبن فيها عند لقاء الفرد الأحد ولا نأسى على ما فرطنا في جنب الله تعالى أو على ما ضيعنا من الأوقات سادرين في الغفلات.
” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. هكذا علمنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي دلنا على اغتنام خمس قبل خمس منها الصحة قبل السقم والفراغ قبل الانشغال.
هو اغتنام حياة قبل موت، حتى تكون حياتنا غنما نجده عند لقاء المنان يرفعنا سامق الدرجات بإذنه وجوده، لا غرما يثقل رقابنا يوم لا مفر منه إلا إليه سبحانه. نعوذ بعز جلاله.
الأعمار مزرعة دار يفوز بها المتقون حينما يملئونها قربا وتشوفا وعملا وعمارة، لا يفتقدهم ربهم حيث أمرهم ولا يجدهم حيث نهاهم، ويسبق فيها المفرِّدون الذين يكثرون من ذكر الله تعالى قبل الفوت وحلول الموت.
عجيب، ولا عجب في أمر الله الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، أن أهل الجنة وهم يتنعمون لا يتحسرون… إلا على وقت فاتهم لم يذكروا فيه ربهم، لم يملئوه باللهج بحمده وتقديسه وتسبيحه وتلاوة كتابه. كتابه الكريم الذي تنتهي درجات قربهم من الله تعالى حين ينتهون مما كانوا يرتلونه في الدنيا المزرعة “فإن منزلتك عند أخر آية كنت تقرؤها”.
لكم يساعد الصاحب الصالح على الخيرات، فكيف نخسره كما يقول بريدي؟ أقل ما نغنمه منه أنه يحذينا من طيب ريحه مثل صاحب المسك في تشبيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ريحه الطيبة أساسها القرب والتبتل والتعبد والتسابق إلى الخيرات، هو مفتاح للخير مغلاق للشر، معيتك معه، ومعية الصالحين واجبة “اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”، تجعلك ترشف من معين صدقه ورحيق قربه.
صحبته مغنم وإنابة ترجعك إلى الله في السر والعلن، وتمنعك من زرع الأماني والتواني لتهب إلى ربك جهادا وعملا ودعوة.
صحبته خير كلها تجعل قدمك في طريق المصافاة هي معراج صدق وسلم قرب.
صحبته محبة والتماس لخيره وإتباع له فيه. إكرام الصاحب الصالح وتعظيمه قربة إلى الله تعالى، لكن الوقوف عند عتبة التعظيم والتبجيل دون التماس خيره وإتباعه فيه لا ينتج إيمانا. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي يعلى الموصلي رحمه الله: “أي جلسائنا خير؟ قال عليه أزكى الصلاة والسلام: من ذكركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله”.
رزقنا الله حسن الفهم وحسن الإتباع حتى نحصد الخير كله لا مجرد اللهف والتلف في حياتنا المزرعة.