بالتي هي أحسن تكن أسعد الناس

قال الله عز وجل :ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا اﻟذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها ﺇلا اﻟذين صبروا وما يلقاها ﺇلا ذو حظ عظيم [سورة فصلت، الآيتان: 34 – 35]؛ تحت ظلال ﻫذين الآيتين نستظل، وبنورهما نستنير، راجين من المولى أن يكتبنا من ذوي الحظ العظيم.
كان يوما حارا مشمسا ومع اقتراب آﺫان المغرب من أول يوم من أيام شهر رمضان المعظم، دخلت سوقا شعبيا فإﺫا هو حلبة صراع مميت : ﻫذان يقتتلان هنا وﻫذا يحمل سكينا ويسب هناك، وهذا يتوعد بالانتقام ويشتم بألفاظ نابية …
ساءني الأمر وتضايقت، وقلت في نفسي : نحن أمة مكرمة انتقاها الله من بين الأمم خصها بهذا الشهر الكريم لتضاعف من حسناتها، ولتنال رضى ربها بيسر، ﺇلا أن ظروف العيش القاسية والبطالة المتفشية أنست القوم فضل ﻫذا الشهر الكريم، كما جعلتهم يغفلون عن قيمة التسامح. حقا لقد كاد الفقر أن يكون كفرا، وﺇﺫا ذهب الفقر إلى مكان قال له الكفر خذني معك، لكن التسامح أعز من أن يُترك لأنه يريح ويسعد صاحبه في الدنيا قبل الآخرة فكيف ﺫلك؟
احظ بصحة جيدة وانعم بسعادة مثلى
قد يعتقد البعض أن الانتقام يريح القلب والبدن، ﺇذ يشفي الغاضب غليله عندما يسبب الأﺫى لمن أثار غضبه، لكن الواقع غير ذلك، فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأشخاص الأكثر تسامحا مع غيرهم، ﺇﺫ أنهم لا يعانون من ضغط الدم. كما أن القلب لديهم يعمل بانتظام أكثر من غيرهم، ﻟذلك توصلوا ﺇلى أن التسامح يطيل العمر، فاﻟذي يعود نفسه التسامح مع مرور الزمن يصبح له خلقا، فلا يحدث له أي توتر نفسي ﺇزاء أي موقف يتعرض له، ومن ثم لا يحصل له ارتفاع في ضغط الدم مما يريح عضلة القلب في أداء مهمتها. عن الموسوعة العلمية بتصرف وﻫﺫا من فضل الله سبحانه وكرمه، فهو تعالى يحث على التسامح وهو وحده القادر على ﺇطالة عمر اﻹنسان، كما أنه جلت عظمته من جوده يمتع المتسامح بصحة جيدة قال تعالى : ﺇن تبدو خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء ﻔﺇن الله كان عفوا قديرا 3 .فمن عفوه تعالى أن كلل التسامح بفوائد ومزايا لا ينالها ﺇلا من اتصف به. وقد بينت الدراسات أن العفو والتسامح يخفف نسبة موت الخلايا العصبية في الدماغ، وﻟﺫلك تجد أدمغة الناس اﻟﺫين تعودوا التسامح أكبر حجما وأكثر فعالية، مما يوفر لهم قدرة بالغة على اﻹبداع. وأجرت ﻫﺫه الدراسات بحثا على اﻹنسان أثناء ابتسامته وأثناء غضبه، فتوصلوا ﺇلى أن اﻹنسان أثناء الابتسامة يحرك ثلاثة عشر عضلة، في حين الغضب والتهجم ﻔﺇنه يحرك أربعة وسبعين عضلة، مما يسبب له المتاعب والأمراض، وبالتالي ﻔﺇن التسامح يقوي جهاز المناعة لدى اﻹنسان فهو سلاح للوقاية من الأمراض. وما أكثر الأمراض في وقتنا الحالي، فلنخفف من حدتها بصفاء سريرتنا، ولنسعد بحياة هنيئة مطمئنة بتحلينا بخصلة التسامح، راجين من المولى عز وجل أن يمن علينا ويكرمنا بما أعده للمتسامحين في الآخرة. فماﺫا أعد لهم يا ترى؟
كن أبا ضمضم وسارع ﺇلى جنة عرضها السماوات والأرض
سيدنا أبو ضمضم رضي الله عنه هو الصحابي الجليل اﻟﺫي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عنه بقوله :“اليوم يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”فلما تقصى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حقيقة وسر دخوله الجنة، وجدوا أنه قبيل نومه كان يقول : أتصدق اليوم بعرضي على المسلمين)فهو لم يحظ بهذه المكانة بكثرة صلاته وصيامه، بل بعفوه وﺇحسانه. وكل من ﺤﺫا ﺤﺫوه ينال ما ناله، لأن الصفح عن الناس مجلبة لعفو الله ومغفرته، قال تعالى : وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم 4 ﻫﺫه الآية نزلت في سيدنا أبي بكر رضي الله عنه اﻟﺫي أوقف اﻹنفاق على رجل خاض في اﻹفك على سيدتنا عائشة رضي الله عنها. فعاتبه ربه في ﺫلك ،وهو عتاب لكل من سولت له نفسه أن يقابل اﻹساءة بمثلها. فالله عز وجل يحب أن يتقرب ﺇليه عباده بأعمال من جنس كماله، وهو سبحانه عفو غفور ثواب رحيم… وكل من اقتبس من ﻫﺫه الأعمال صفات يتصف بها ﺇلا وينال القرب من الله والدرجات العلى في الجنة.
وقد قرن سبحانه وتعالى بين اﻹنفاق والتسامح، لأنهما معا يحققان السعادة في الدنيا والآخرة.يقول الدكتور جورج فيلدمان أخصائي النفس في جامعة “باكينغهام” الجديدة : ﺇن التبرع لأغراض الخير يجعلك تشعر أنك أفضل حالا، ﺇﺫ قد يكون ﺇنفاق المال على آخرين طريقا أشد فعالية لتحقيق السعادة من ﺇنفاق المال على الشخص نفسه)
جعلني الله وﺇياكم من المتسامحين وأكرمني وﺇياكم بفضائل شهر رمضان المعظم آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
[2] سورة النور، الآية :22
[3] سورة النساء، الآية :148
[4] سورة النور، الآية :22