أيكفي الغضب؟

يقيض الله عز وجل ببالغ حكمته للمسلمين فرصا تاريخية ليبتلي مدى تشبث المؤمنين بنبيهم صلى الله عليه وسلم، من ذلك هذه الهجمة البدائية التي أجج نارها سفهاء صحيفة بائسة، وإرادات جهات يائسة، فانتهض المسلمون في شتى بقاع الأرض يحتجون وينددون… تتساءل المؤمنة الحفية بنبيها، الحريصة على استكمال دينها، أليس هذا التجاوز، وإن مزق منا شغاف الأفئدة وأدمى القلوب، نتاج بعدنا عن واجب التبشير والتعريف بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة للعالمين ؟ وتتساءل ثانيا، هل يكفي المؤمنين والمؤمنات أن يتظاهروا في الشوارع وينددوا بالذين عميت قلوبهم أن ترى النور الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وعافية لمن آمن به وصدقه وآزره وعزره.
أيكفي الغضب ؟
إن أحداثا مثل هذه، إن لم توقظ في قلوب المسلمين بعد هبة الغيرة والغضبة على انتهاك الحرم والمقدسات، العزم الأكيد والنهضة الفاعلة لتصحيح إيماننا وتجديد العهد مع الله عز وجل أن نكون له عبيدا وإماء مخبتات، لن تكون قطعا إلا حركات نفسية غضبية لن تلبث أن تهمد وتخمد وتتلاشى وتُتَناسى.
إنما يكون الصدق كل الصدق مع الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام، أن يشمر المؤمن وتشمر المؤمنة على ساعد الجد متعرضين لنسائم التوفيق الإلهي، منكبين على ما يقربهما من الله عز وجل وما يحقق لهما حقيقة اتباع الهدي النبوي الرشيد، حتى يكون حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم مستويا ثابتا في سويداء القلوب، وحتى يكون ذكر الله عز وجل والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ديدن يومهما وليلتهما وربيع قلبيهما، وحتى يكون الاتباع للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حقيقة ثابتة في حياة المؤمن لا يألو جهدا من أجل التحقق منها طلبا لمحبة الله ولمحبة رسول الله عليه السلام.
ليس دون اقتحام العقبات صدقا وإقبالا على الله عز وجل إلا الخمول النفسي والقناعة بعبارات جوفاء، أو شعارات خفاقة لا تلبث أن تطيح بها رياح اللهو واللعب والركون إلى الدنيا.
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز مخاطبا عباده المؤمنين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، آمرا إياه أن يبلغ رسالة ربه عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم 3
المحبة اتباع
الاتباع… ماذا يعني اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ذلك الاتباع الذي يحقق لنا إن سلكنا محبة الله عز وجل لنا واصطفاءه إيانا في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
الاتباع هو أن نحذو حذو السنة النبوية بعناية، مطيعين الأمر، منزجرين عند النهي، مستبشرين بالبشارة، منقمعين عند النذارة، واضعين أمام أعيننا ونصب هممنا ذلك اليوم المجيد الذي تخلع على عباد الله الصالحين خِلَعُ الرضا والقرب من الله عز وجل.
ذلك حظ العمل بالجوارح، أما حظ القلوب فهو التعلق الوجداني العميق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، والشغف بذاته المطهرة، واستحضار بهائه وكماله وجماله ونوره الرباني الساطع على كيان المؤمنين والمؤمنات.
هذا ديدن من استنار بهديه، وتشرب من أنواره، ووقف عند أعتاب التلمذة له، مستنا بسنته، ومستحضرا جميل خلقه. وهذه حالة من أراد الله عز وجل أن يكرمهم بكرامة الإيمان والتقوى، لا يأبهون بما تفتريه ألسنة الكافرين والمنافقين، قال الله عز وجل: ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء 4