… أيتهـا الأمـل

هالني إعلامنا المستبيح بإطلالة خادشة لحياء ذوي المروءات، حين أعلن عن خبر فلانة المغربية، تلك الُبَنية التي “حققت حلمها الكبير في مدة وجيزة جدا بسيطرتها على النجومية”… تساءلت بقوة قبل الإتمام، أية نجومية ستكون؟ أليست المرتبطة بالآفاق العلى والمرامي العظمى، بإرادة الوجه الكريم، أليست النجومية المتعلقة بتحرير الإرادة لمعرفة الله على خطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النجوم، الذين بأيّهم اقتدينا اهتدينا؟ أليست النجومية في عمارة هذه الأرض، بما يرضي رب الأرض سبحانه بخوض مجالات التكنولوجيا والعلوم…؟
هالني ما قرأت: “سيطرت على نجومية أفلام … البرنو عالميا”.
رباه ! ما الذي حصل؟.
أي ترويج إعلامي لمعاني النجومية والسرعة في تحقيق الآمال؟ أي منحدر هذا يهوي إليه إعلامنا فتُتابعينه فيه أيها المرأة الغالية؟
كيف جعلت أحلامك في جسدك، نعمةِ الله إليك؟. كيف انتكست إرادتك وتقاعست همتك وانحسر همك؟. كيف انحدرت من الثريا إلى الثرى؟. كيف صرت كما مهملا، دمية تتقاذفها الأيادي العابثة؟. كيف رضيت بدرك الهمل ومواطن الدون؟. كيف صرت حديثا مبتذلا في عصر لا تكاد تسلط عليك فيه الأضواء إلا ذكرى؟. كيف صار حديث حرية رقبتك المملوكة نشيدا يصم الآذان في زمان الاستباحة؟. كيف غرر بك، فتوهمت النجومية في التفنن في إبداء تفاصيل جسدك؟. كيف استَغلت فاقتك لتغتني بجسدك إمبراطوريات الفساد العالمية؟.
كنت شامة أقرانك ووردة زمانك، ذات سيادة وريادة، في كل مجال ومقام، كنت إرادة عاملة، وشخصية مستقلة، وشعلة وقادة لا تخبو ولا تنطفئ، كنت العالمة المعلمة، الفقيهة المفتية، الطبيبة المحدثة والواعظة، كنت الحافظة لكتاب ربها حسا ومعنى، كنت المربية الحاملة لعلم النبوة الكريم، كنت المنافحة المدافعة، كنت الشهيدة السعيدة، ، كنت المتهممة بأحوال الأمة. فهل يا ترى ماذا جرى؟.
ماذا جرى؟
دبّت الحياة في جسم الأمة يوم التقى خبر السماء بالأرض. أحاطت عناية الله تعالى بخلقه فنّورهم بالوحي الكريم، انتشلكِ العظيم من واقع الوأد والتحقير، من بيئة لم تكوني تُعدي فيها شيئا، فذكركِ في كتابه، ضمن حقوقك ووضعك في قلب جسم الأمة، بيت ربك، تُعّلمين وتتعلمين، وتعبدين ربك وتخططين لنصرة دينك والتمكين لأمتك، تستشارين ولا تُخالفين ، تقولين الحق ولا تخافين، تعترضين ولا تُلامين… وما أن مرت العقود القلائل، بعد التحاق خير الأنام عليه السلام برب الأنام سبحانه، حتى انزويتِ في غياهب النسيان، فصرت كمّا مهملا، جارية في القصور، قصور من انتزعوا الحكم عنوة وموَّهوا على الأمة ليدعموا سلطانهم المؤيد بفتاوى من يرى شرعية حكم المستولي على الحكم بالسيف لحقن دماء المسلمين، والحفاظ على بيضة الإسلام، فقه كان يفتي وما زال يعمل، بسب عفة وقائية وغيرة مبتكرة مبتدعة، بمبدأ سد الذريعة، وأنت “فتنة”،لابد وأن توصد بابها، فصرت قعيدة بيتك، حبيسة جهلك، أمانة تصونها الجدران، صوت لا يصح أن ينطق دون تشويش على أنوثته ولو بوضع قطن أو حجر.
تقاتل السلطان والقرآن
كان من النتائج المباشرة للانكسار التاريخي الذي وقع في تاريخ الإسلام، والاغتصاب السياسي للشورى وتحول الخلافة الراشدة إلى ملك وراثي معضد بالسيف المصلت والعصبية المقيتة، تسييس الفقه ووضع مبادئ فقهية كنتِ من أوائل من تأثر بها، ومبدأ سد الذريعة الذي كان متلائـما حينئذ مع زمانه في إطار فقه الطوارئ. أضرَّ بكِ ضررا بالغا، فتحولتِ من نموذج الصحابية المشاركة في بناء الأمة، إلى جارية أو امرأة مكدودة منبوذة بعيدة عن المجريات العامة، محرومة من حقوقها الشرعية، مضبوطة بفقه ذكوري يفتي بجواز ضرب العبد والمرأة والحيوان، وُيعرف الزواج مثلا بكونه “عقد على مجرد التمتع بآدمية”.
من لنا بفهم شمولي لمقاصد الدين، وفقه يتلمذ على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغرف من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
فهم ضائع وتصور مائع، أكّدته ظروف اجتماعية مضنية وتدخل استعماري مهين ودعوات من هنا وهناك للتحرر، تحرر من رق الرجل، تحرر من دين سيء فهمه وتنزيله، تحرر على منوال المرأة الغربية التي نصبت نفسها عدوا لدودا للرجل، تعددت المطالب المادية التي لا مجال فيها لنزعة الإحسان، فصرت أختاه، إما امرأة مترفة تعيش البدخ، دمية نفسية، أو كادحة في الوظائف والمصانع والحقول، متطلعة بسبب همومك، في غالب أحوالك، إلى المساواة الكاملة، مشدودة في أخرى إلى حنين نموذج الأم أو الجدة. فأين أنت في كل ذلك من حقيقة دورك، وجليل مهمتك، وجوهر حقوقك؟.
هـذا ما يــــريد لك ربـك ” فأقبـلــي”
“وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” الذاريات56، الله الغني الذي لا تنفعه طاعتك، ولا تضره معصيتك، يخاطبك وأخاك الرجل، لإحقاق العبودية له، بعد أن قضى أنكما شقائق في الأحكام.
“وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” البقرة 29، بهذا الخطاب الذي حيّر الملائكة في علاها، فاستغربت أن يجعل العليم في الأرض من يعيث فسادا وهي تسبح سرمدا بحمد ربها وتقدس له، استخلاف مرتبط بعمارة، عمارة الأرض بما ينفع الخلق عيال الله، بما يضمن لهم العيش الكريم، وبتشمير السواعد لإحلال العدل والنصفة في أوطانهم، لا بمجرد تحصيل التكنولوجيا لإسعاد الأجساد، والعقول متألهة شقية، والقلوب فارغة من ذكر الله الكريم.
الهدف الاستخلاف والمقصد العمارة والغاية الله، تحريرا لإرادتك أيتها الكريمة لتعرفي ربك، رفقة أخيك الرجل، مقتحمة عقبة النفس والأهواء والمعيقات، متحدية العوائق العرقية والانحطاط الخلقي، والظلم الاجتماعي، والنمط الحياتي الغربي المتهتك.
أنت أساس التغيير فأسهمي
بحافظتيك المرتبطة بصلاحك، وخشيتك لربك وحمايتك لجبهة إعداد المستقبل، جبهة إعداد الأجيال الصالحة لغد الإسلام الأغر، وبقوامة أخيك الرجل التي تتجاوز الجانب المادي إلى الحرص على مآل الآخرة والتوجيه إلى الإيمان…
يدا بيد، تغشيان ميادين التغيير وإحقاق الحق بإرادة أم سلمة رضي الله عنها التي لبت نداء الاجتماع، حين سمعت “يا أيها الناس”، فقالت “أنا من الناس”، لا بذهنية ماشطتها التي لا تحمل للمسلمين همّا القائلة: “مالك والناس”.
أنت مدعوة إلى رفع همتك لتسلكي خط كمالك، لإدراك مكانة الشاهدين بالقسط، القائمين بالحق، الواقفين على ثغور الأمة. وفي الكاملات من النساء أعظم مثال.
أما أنت أيها الرجل الكريم، فلا يكفي يقينا إيمانك بقضية المرأة وحقوقها الجوهرية، إن لم تترجمها إلى إحسان في المعاملة وبعد عن الأنانية والاستغلال، إنّه بقدر إحسانك إليها تكون الأقرب إلى ربك، الأقوم في سلوكك إليه، أُمّا كانت أو بنتا أو زوجا أو أختا، فالكريم من أكرمها، واللئيم من أهانها و”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” كما أخرج الترمذي وابن حبان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنها شق نفسك وقضيتك مع ربك، فانظر كيف تريدها أن تكون.
إن واقع الظلم الذي تعيشه مجتمعاتنا المسلمة يحتاج إلى سواعد الرجال والنساء معا لرفعه، تنافسا في الخير.
ومن شأن أرضية صلبة من الحقوق المادية والنفسية أن تحرركما معا من موروثات القرون الماضية، حتى تصفوا لبعضكما وترقيان معا بهمتكما لطلب وجه الله العظيم والدار الآخرة. لطلب الإحسان بعد العدل، لطلب الإحسان مع العدل. “إن الله يأمر بالعدل والإحسان” النحل 90
وإياك إياك أختاه، أن تلتمسي دواءك في غير مشـفى سيد الأنام عليه السلام ، سلمي إرادتك للوحي يشحذها ويوجهها ويزيل عنها غبار قرون الخوف والجهل والتشييء والاستلاب، و اعلمي أختاه… أنك الأمل.