أم سليم وشرف القرب

أم سليم الرميصاء بتت ملحان ويقال لها الغميصاء بنت ملحان الأنصارية الخزرجية أم خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس ابن مالك رضي الله عنه. امرأة عظيمة المواقف والأحداث وعلى جميع المستويات، أولها لما توفي زوجها مالك ابن النضر خطبها أبو طلحة ورفضته لأنه كافر وقالت له إن تسلم فداك مهري، وقال عنها تابت رضي الله عنه ما سمعت بامرأة قط أكرم مهرا من أم سليم : الإسلام. يا له من مهر لا يعدله مال ولا جاه، بل أعظم من ذلك محبة عظمى لدين الله عزوجل، وخوف على آخرتها وآخرة غيرها، شرطت خيرا فوجدت خيرا منه، عظمت دين الله تعالى فنالت الشرف العظيم وأحيت نفسها إلى الأبد بحبها لله ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بشرطها ذاك أصبح أبو طلحة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم البارزين ومن الأبطال الأفداد والباذلين في سبيل الله بسخاء. مثل كبير في صناعة الرجال.
1- الشرف العظيم في خدمة الرسول الكريم
إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الدين، حبه دين، حبه من حب الله عز وجل، وأم سليم أحسنت المحبة بالتفاني في خدمة رسول الله إذ وهبت النفس والمال والولد في خدمته صلى الله عليه وسلم.
إن أول ما مافعلته سيدتنا الرميصاء لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من مكة إلى المدينة وأوى الأنصار المهاجرين في مساكنهم وقاسموهم أموالهم، كان أن أعطت أم سليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا (نخلات) كما جاء في الحديث الشريف.
والموقف الثاني تجلى في إعطاء الولد لخدمة رسول الله فكان سيدنا أنس الولد الذي أعطت أم سليم لسيد الخلق بعد قدومه المدينة.
قال سيدنا أنس رضي الله عنه :جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت يا رسول الله : هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له فقال :“اللهم أكثر ماله وولده.”قال أنس فو الله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون (يبلغ عددهم) على نحو المائة اليوم.) 10 وكانت سيدتنا الرميصاء رضي الله عنها بفطنتها وذكائها ترمي من وراء ذلك لتحقيق مقاصد عظيمة منها أن:
* خدمة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد والأمة إلى الله سبحانه وتعالى فأرادت أن تحضى وابنها بهذا الشرف العظيم، ومن تم لينالا أجرا أعظم عند الله سبحانه وتعالى.
* أرادت تربية ابنها في بيت النبوة ليحذو حذو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه عليه الصلاة والسلام، وتلك غاية من أعظم الغايات لا يعيها إلا من تعلق قلبه بحب الله وحب رسول الله.
* أن يغرف سيدنا أنس رضي الله عنه من النبع الصافي : السنة العطرة قولا وفعلا وتعلما بسبب قربه من النبي صلى الله عليه وسلم فكان لها ما أرادت فصار سيدنا أنس رضي الله عنه من الصحابة المكثرين لرواية الحديث عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
كانت إذا هذه التربية العظيمة من أم ذكية فطنة وعت فسبقت ففازت بتربية ترحم بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكان رد سيدنا أنس على هذا ردا عظيما أيضا بحيث كان صلة وصل بين أم عظيمة وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فكانت الأقرب إلى بيت النبوة.
-2 الكريمة المعطاء
كانت أم سليم نموذجا في الكرم خصوصا عندما يتعلق الأمر بضيوف رسول الله، تعد أحسن ما لديها من طعام وإن قل، ولهذا كان رسول الله إذا أتاه ضيف ولم يجد ما يكرمه به يرسله إلى أم سليم لتكرمه، وكانت تقوم بما يليق بضيف رسول الله وهي كلها فرح وسرور.
أم سليم رضي الله عنها كانت من أسرع الناس إلى البذل في وجوه الخير بما تجود به نفسها، ومواقفها في هذا الجانب كثيرة عديدة.
ومن المواقف الجليلة لأم سليم رضي الله ما كان في طعامها من ظهور معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سيدنا أنس رضي الله عنه، قال أبو طلحة لأم سليم رضي الله عنها :لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله قال : فذهبت به فوجدت رسول الله في المسجد، ومعه الناس فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس)قال :فقلت نعم )فقال :“الطعام؟”فقلت : نعم، )فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه 🙂“قوموا” قال :فانطلق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس، وليس عندنا ما- يطعمهم فقالت : الله ورسوله أعلم،)قال :فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙂“هلمي ما عندك يا أم سليم “فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله ما شاء أن يقول ثم قال 🙂” ائذن لعشرة”فأذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال 🙂“ائذن لعشرة “فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال 🙂“ائذن لعشرة “حتى أكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا.)
3- رسول الله خص بيتها بالدخول وقت ما شاء
عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال :لم يكن رسول الله يدخل بيتا غير بيت أم سليم، فقيل له، فقال 🙂“إني لأرحمها قتل أخوها معي.” 11 يالها من مكافئة لصنيعها وصنيع أهلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حضيت بالشرف العظيم بالوجود الدائم لرسول الله في بيتها، تتنور من علمه وتستقي من سنته وتتبرك بأنواره عليه أفضل الصلاة وأطيب التسليم.
لم يكتفي صلى الله وسلم بالمكوث عندها بل يتفقد أبناءها ويداعبهم ويدعو لهم، وهذا ما كانت تريد الأم الصالحة نيله من خير الخلق صلى الله عليه وسلم.
4- صبر جميل
مثل رائع في استقبال قضاء الله وقدره والابتلاء في سبيله، توفي ابنها، فصبرت واحتسبت وصبرت زوجها فأبدلهما ربهما خيرا، كما دعا لهما رسول الله صلى الله علية وسلم بأن يعوضهما ربهما بالولد الصالح فرزقت عبد الله رضي الله عنه فكان من أهل القرآن الكريمقال سيدنا أنس رضي الله عنه :اشتكى ابن لأبي طلحة فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه مات هيأت شيئا ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال : كيف الغلام؟ قالت : هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة قال : فبات فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙂“لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما “قال سفيان :قال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قرأوا القران.) 12
5- العلم عن رسول الله
قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :“من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها :نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)وأم سليم الأنصارية عرفت بالحرص على طلب العلم لتتجنب ما يغضب الله ورسوله حرصا على طلب وجه الله والدار الآخرة، وساعدها على ذلك قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جاءت أم سليم رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ )قال النبي- صلى الله عليه وسلم :“إذا رأت الماء “ فغطت أم سليم (وجهها) وقالت يا رسول الله :وتحتلم المرأة ؟ ) قال :“نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها ؟”قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها:يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك، )فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة :“بل أنت تربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك” 13 عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله عنهما عن امرأة طافت ثم حاضت قال لهم: تنفر، قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول زيد رضي الله عنه قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم فذكرت حديث صفية رضي الله عنها “أي قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة“عقرى حلقى إنك حابستنا أما كنت طفت يوم النحر؟”قالت: بلى، قال:“فلا بأس انفري” 14 فسؤال ذلك الوفد أم سليم رضي الله عنها عن هذه المسألة التي وقع فيها الخلاف بين الصحابة حين رجوعهم إلى المدينة، وفيها كثير من الصحابة، فيه دلالة على أنها كانت ممن عرفن من النساء بالعلم في المدينة رضي الله عنها وأرضاها.
6- الجهاد في سبيل الله
قاتلت الصحابيات رضي الله عنهن جنبا إلى جنب مع الصحابة. قاتلن وليس القتال عليهن فرضا. استأذنتْ سيدتنا عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال :“جهادكن الحج” 15 لكن الصحابيات ومنهن أم سليم قاتلن متطوعات وأبلين البلاء الحسن، عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال:لما كان يومُ أحُد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمَّ سُلَيم وإنهما لمشَمرتان أرى خَدَمَ سوقهما (خلاخلهما) تنقُزان القِرَب -وقال غيره : تنقلان القرب- على متونهما، ثم تُفْرِغانِهِ في أفواه القوم. ثم ترجعان تملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم) 16 لم تكتفي سيدتنا أم سليم بهذا بل شاركت في الجهاد أكثر من مرة، بحيث كان لها موقف أضحكت به سيد الخلق عليه السلام وذلك يوم حنين، يقول سيدنا أنس رضي الله عنه في هذا اليوم المشهود :أن أم سليم أخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة : يا رسول الله، إن أم سليم معها خنجرا، فقالت : يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك…) 17 وهكذا سطرت أم سليم في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحات مشرقة، وضربت في ذلك أروع الأمثلة للمرأة في الجهاد والإخلاص في محبة رسول الله وحسن أتباعه وإحياء سنته، رضي الله عنها وأرضاها.
بشراك يامن تفانيت في محبة المصطفى
كانت ثمرة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إتباعه خاتمة عظمى يتمناها كل من كان مراده طلب وجه الله والدار الآخرة، وهذا ما كان لأم سليم الأنصارية رضي الله عنها وأرضاها. فقد تقبلها ربها بقبول حسن فكانت من المبشرات بالجنة :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهـما قال:“قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن؟ فقال: لعمر فأردت أن أدخله، فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله: أعليك أغار” 18 وفي رواية لمسلم “فسمعت خشفة فقلت: من هذه؟ قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك”نداء لنفسي ولكل امرأة تؤمن بالله ورسوله، أن نحذو حذو هذه المرأة المثل الأعلى ولنا في جميع الصحابيات والصالحات المثل الأعلى، نجحن في جميع المهمات بالجد والاجتهاد والكد والكبد من أجل أن تعيش كل واحدة منهن إلى الأبد رضي الله عنهن أجمعين.
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] رواه البخاري.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه البخاري.
[6] رواه عنها البخاري.
[7] رواه البخاري.
[8] جاء في الطبقات.
[9] رواه البخاري.
[10] رواه مسلم
[11] رواه البخاري ومسلم.
[12] رواه البخاري.
[13] رواه مسلم.
[14] رواه البخاري.
[15] رواه عنها البخاري.
[16] رواه البخاري.
[17] جاء في الطبقات.
[18] رواه البخاري.